حياة أرسطو (384 - 322 قبل الميلاد)
وُلد أرسطو في ستاجيرا، شبه جزيرة ثريس، وينحدر من عائلة توارثت مهنة الطب. كان والده نيكوماخ طبيبًا للبلاط المقدوني، مما جعل أرسطو ملمًا منذ ولادته بالعلوم التجريبية، الطبيعية والطبية. في عام 367 قبل الميلاد، ارتحل أرسطو إلى أثينا وانضم إلى أكاديمية أفلاطون، حيث قضى عشرين عامًا بدأها كتلميذ ثم أصبح معلمًا وباحثًا.
أرسطو |
تميزت أكاديمية أفلاطون بفلسفة تختلف عن النهج التجريبي الذي نشأ عليه أرسطو. ومع مرور الوقت، بدأ أرسطو ينتقد تعاليم أفلاطون، إلا أنه استمر في الأكاديمية حتى وفاة أستاذه. غادر الأكاديمية بعد اختيار سبيوزيب خلفًا لأفلاطون.
بعد مغادرته الأكاديمية، ارتحل أرسطو إلى أسوس في آسيا، حيث كان الحاكم هيرمياش يشجع أعضاء الأكاديمية على البقاء عنده. قضى هناك ثلاث سنوات منقطعًا للعلم والتدريس، وفي الأعوام 343-342 قبل الميلاد استدعاه الملك فيليب المقدوني ليعلم ابنه الإسكندر الأكبر.
ظل أرسطو معلمًا للإسكندر حتى تولى الأخير السلطة، ثم غادره عندما بدأ الإسكندر زحفه نحو آسيا. بعد ذلك، عاد أرسطو إلى أثينا وأسس مدرسته الخاصة، على غرار أكاديمية أفلاطون. وضع أرسطو برنامجًا واسعًا لمدرسته، حيث شملت دراساته مختلف مجالات المعرفة الإنسانية والطبيعية، مع التركيز على الروح التجريبية التي تميزت بها فلسفة أرسطو.
في السنوات الأخيرة من حياته، ومع صعود تيار معادٍ للمقدونيين في اليونان بعد وفاة الإسكندر، غادر أرسطو أثينا وانتقل إلى خالكيس، حيث توفي هناك.
كان أرسطو عقلًا واسع الأفق، عاش حياته مكرسًا للعلم والبحث عن الحقيقة. قدرته الفائقة على تنظيم العمل العلمي ودفع الناس إلى البحث الجماعي عن الحقيقة جعلته يقدم أعظم الأعمال العلمية.مؤلفات أرسطو
يمكن تقسيم مؤلفات أرسطو إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
1- الأعمال الشعبية
هي الأعمال التي نشرها أرسطو بنفسه وكانت ذات طابع شعبي، حيث نشرها في أيامه الأولى عندما كان عضوًا في أكاديمية أفلاطون.
تميزت هذه المؤلفات بقيمة أدبية عالية، وتظهر فيها روعة أسلوب أرسطو في الكتابة. من بين هذه الأعمال، حوار بعنوان "إيديموس" تحت تأثير مؤلفات أفلاطون مثل "فيدون" و"المأدبة".
2- المواد العلمية
تتضمن هذه المجموعة مواد ذات قيمة تاريخية وأدبية وعلمية. جمع أرسطو هذه المواد في أسوس وستاجيرا، وشملت أعمالًا لبعض الفلاسفة ومحاضرات أفلاطون.
3- الدراسات العلمية
وهي مخصصة للمدرسة التي أسسها أرسطو في ليسيوم. تمثل هذه الدراسات محاضرات مكتوبة بشكل مختصر لم تكن معدة للنشر. ورغم ذلك، تشكل هذه الأعمال خمس مجموعات رئيسية: المنطق، العلوم الطبيعية، الميتافيزيقا، الكتابات العملية، والكتابات الشعرية.أرسطو، الفيلسوف اليوناني القديم، أسس علم المنطق من خلال مجموعة من الكتابات التي تُجمع تحت عنوان "الأورغانون" (Organon)، والذي يعني "الأداة" أو "الأدوات". تُعتبر هذه المجموعة الأساس الذي بُني عليه تطور المنطق الغربي لفقرات عديدة.
ب- الكتابات الطبيعيةتناولت دراسات أرسطو في الفيزياء والتاريخ الطبيعي وعلم النفس. من أبرز مؤلفاته في هذا المجال: "الفيزياء"، "حول السماء"، و"التاريخ الطبيعي للحيوان". يعتبر كتاب "الأرواح" أهم مؤلفاته في علم النفس.
د- الكتابات العلمية
تتضمن هذه المجموعة أعمال أرسطو في علم الأخلاق والسياسة. من بين أهم أعماله في هذا المجال: "علم الأخلاق" و"السياسة"، وهو مؤلف ضخم وغير مكتمل.
هـ- الكتابات الشعرية
ما تبقى من هذه الكتابات هو جزء من مؤلف "الشعر"، الذي يتناول موضوع التراجيديا. يُعتبر هذا الجزء مهمًا لأنه يعكس فلسفة أرسطو بشكل عملي ويعطي فكرة عن رؤيته العامة.
مراحل تطور أرسطو
تطورت فلسفة أرسطو من خلال تأثره بمعلمه أفلاطون، لكنه سرعان ما اختلف معه في نظرية المثل، حيث رأى أن المعرفة تأتي من دراسة العالم المادي. ركز أرسطو على المنطق والاستقراء لتفسير الظواهر الطبيعية والفكرية.
كما اهتم بتصنيف العلوم وتطوير مفاهيم فلسفية مثل العلة والمادة والصورة. عمله في مجالات الفلسفة الطبيعية والسياسية والأخلاق ساهم في وضع أسس الفكر الغربي لعصور طويلة.
1- المرحلة الأولى: تبني المفاهيم الأفلاطونية
بدأ أرسطو نشاطاته في أكاديمية أفلاطون كمدافع عن نظرية "الفكرة"، واعتبر الفلسفة الأولى علمًا حول الوجود المتفرد والخالد. نادى بخلود الروح وطور علم الأخلاق، كما نادى بأهداف أصلانية للبشر. في هذه الفترة، وضع أرسطو أيضًا الخطوط العامة لمؤلفاته مثل "الميتافيزيقا" و"الفيزياء"، التي تظهر فيها لمسات أفلاطونية.2- المرحلة الثانية: النقد الإيجابي
حتى أثناء حياة أفلاطون، بدأ أرسطو ينتقد "العلم حول الفكرة"، وظهرت هذه الانتقادات في بعض محاوراته. بعد مغادرته الأكاديمية، بدأ في صياغة نظريات إيجابية في أوسوس وستاجيرا. وأشهر أعماله في هذه المرحلة شملت "الميتافيزيقا"، و"علم الطبيعة اللاهوتي"، و"علم الأخلاق اللاهوتي".3- المرحلة الثالثة: التركيز على التجريبية
في المرحلة الأخيرة من عمله في ليسيوم، ابتعد أرسطو عن المفاهيم الأفلاطونية. بدأ بتطوير علمه التجريبي، وخاصة في مجالات علم الأحياء، علم الاجتماع، والتاريخ. انتقلت نظريته في علم النفس من الفهم التأملي للعقل إلى رؤية تجريبية وفسيولوجية. كما أخذت العلوم الطبيعية مثل علم الفلك طابعًا ميكانيكيًا.4- المرحلة الرابعة: الأفكار الأرسططالية الأصيلة
أتت الأفكار الأرسططالية الأصيلة من المرحلة الوسطى لأعماله. ومع أن هذه الأفكار لم تظهر بوضوح في جميع كتبه، إلا أن "فلسفة أرسطو" تعتمد على مزيج من أفكاره المتوسطة والمتأخرة. هذه الأفكار لا تشكل نظامًا متناسقًا تمامًا، لكنها تمثل جوهر فلسفته.مفاهيم أرسطو
قد سبق أرسطو فلسفته بعلم المنطق، حيث اعتبر المنطق نظامًا تمهيديًا لفهم الحقيقة. كان أرسطو يرى أن المنطق هو الأداة الأساسية التي تمكّن العقل من الوصول إلى المعرفة الصحيحة. لذلك، بدأ فلسفته بوضع أسس المنطق قبل أن ينتقل إلى تقسيم الفلسفة نفسها.
فلسفة أرسطو تستند بشكل كبير على علم المنطق، حيث كان المنطق الأداة الأولى التي استخدمها أرسطو لتنظيم المعرفة وتفسير العالم.
أولًا: علم المنطق
كان لأرسطو موقف ثنائي من العالم؛ فقد كان واقعيًا بطبعه، وتعلم المثالية من أفلاطون. من علم أفلاطون القائل بأن الوجود الحقيقي هو الوجود المثالي، وأن المعرفة الحقيقية هي المعرفة العامة، أخذ أرسطو النصف الأخير، إذ رفض نظرية الوجود وأخذ بنظرية المعرفة. وكان يرفض وجود أفكار خارج نطاق الأشياء الفردية، ولكنه نادى بأن المعرفة توجد في المفاهيم العامة، بمعنى أن الوجود فردي والمعرفة عامة.
رفض أرسطو ثنائية أفلاطون التي تقسم الوجود إلى عالمين: عالم الفكرة وعالم الأشياء. ونادى أرسطو بثنائية جديدة: ثنائية الوجود والمعرفة. بناءً على هذا الأساس، قسم البحث العلمي إلى قسمين: العلم حول المعرفة، والميتافيزيقا التي هي علم الوجود الفردي.
المنطق هو الذي يعلمنا استخدام المفاهيم والأحكام. أساس المفاهيم السليمة هو التعريف، أما أساس الأحكام فهو الإثبات. وعليه، فإن التعريف والإثبات هما الموضوعان الأساسيان لعلم المنطق الأرسطي.
أ- المفاهيم - بدرجة أو بأخرى - عامة، ولذلك يوجد دائمًا تسلسل في عمومية المفاهيم. في قمة هذا التسلسل نجد أكثر المفاهيم عمومية، ويتم تعريف المفهوم عن طريق تحديد وضعه في هذا التسلسل.
أما أنواع المفاهيم، فهي تتجاوز حدود التعريف، إذ تشكل أساسًا لكل أشكال التعريفات. ولكن لا يمكن تعريفها هي نفسها لأنها أعلى من كل الأنواع. وهذا يعني وجود مفاهيم عامة لا يمكن تعريفها ولا تحتاج هي نفسها إلى تعريف.
ب- نفس هذه العلاقات توجد في نظرية الأحكام. فالأحكام أيضًا تشكل تسلسلاً حسب أحقيتها ونتائجها. الأحكام الأكثر عمومية تمثل إحقاقًا للأحكام الأقل عمومية، ولكن العكس لا يحدث على الإطلاق.
وأعلى قمة لتسلسل الأحكام هي الأحكام الأكثر عمومية. يمكن الإتيان بالإثبات عن طريق وضع الحكم في هذا التسلسل وتوصيله إلى الحكم الأعلى، أي إلى ذلك الحكم الذي يمثل إحقاقًا للحكم الأدنى.
أعلى الأحكام هي التي تتجاوز حدود الإثبات؛ إذ إنها تشكل أساسًا لكل أشكال الإثباتات، ولكن لا يمكن إثباتها هي نفسها، لأنها لا تعتمد على أحكام أعلى يمكن أن تمثل إحقاقًا لها.
المثال لهذه القاعدة العامة للإثبات هو قاعدة التناقض، باستثناء ذلك، لكل فرع من فروع المعرفة قاعدته الخاصة. وهكذا، ينتج من مفاهيم أرسطو أن هناك أحكامًا عامة ليست بحاجة لإثبات ولا يمكن إثباتها.
الحكم، بالنسبة لأرسطو، هو مجموعة من المفاهيم، والمفهوم بالنسبة له هو الوحدة المنطقية. يحتوي الحكم على مفهومين؛ أحدهما في الموضوع والآخر في الحيثية. يعتمد على أن الأقل عمومية يخضع للأكثر عمومية، أي أنه يقوم بترتيب المفاهيم. على سبيل المثال، الحكم "سقراط إنسان" يخضع للمفهومين "سقراط" و"إنسان"، والحكم "الإنسان فاني" يخضع للمفهوم العام للكائنات الفانية.
إذا كان الفناء خاصية لكل البشر، فهو أيضًا خاصية لسقراط الذي هو إنسان. هذا هو أساس الخروج بالنتائج وأيضًا الإثبات، الذي ليس أكثر من الخروج بنتيجة مع أحكام حقيقية. والشكل البسيط له هو ما يسمى السيلوجزم (القياس)، وهو خروج بنتيجة من حكمين لهما مفهوم واحد مشترك. وقد وضع أرسطو نظرية القياس بدقة، وهي تشكل أساس علمه للمنطق.
قام أرسطو بتطوير علم المنطق واعتبره نظامًا مستقلاً بذاته، يقع خارج نطاق الفلسفة. لم يعامل المنطق باعتباره علمًا خالصًا، بل اعتبره مجرد جهاز للعمل، أو كما أطلق عليه مؤخرًا نظامًا شكليًا. لكن لم يكن علم المنطق مستقلاً تمامًا عن الحلول العامة للقضايا الفلسفية. المنطق الأرسطي هو الواجهة لموقفه الفلسفي.
يعتمد هذا المنطق على المناداة بأن الوجود فردي، ولكن الخواص العامة تشكل أساسًا له. لهذا السبب، تقدمت علاقات التراتب المنطقي على العلاقات المنطقية الأخرى، وأيضًا أخذت الوحدة المنطقية في المفهوم الذي يضم الخواص العامة للأشياء الفردية.
الصورة المثالية للمعرفة تتمثل في تسلسل تكوين المفاهيم المرتبطة بالتعريفات، وتسلسل تكوين الأحكام المرتبط بالإثباتات. ولكنها ليست المعرفة المتطورة، بل المعرفة المنتهية. المنطق الأرسطي يحتوي على منهج لتنظيم المعرفة المكتسبة، وليس منهجًا لاكتسابها.
من خلال القول بأن الخاص ينتج من العام وليس العكس، فإن طبيعة الأشياء تتوافق مع هذا المبدأ. بينما تقع في طبيعة الذهن البشري الحقيقية العكسية، وهي أنه فقط عن طريق معرفة الخاص يمكن أن نصل إلى معرفة العام. القياس هو تركيب المعرفة المكتسبة، ولكن تركيب المعرفة المتطورة هو الاستقراء، لا القياس.
المنطق الأرسطي يضع نظامًا مقيدًا، لكنه لا ينادي بأي حال بأنه نظام سيكولوجي يتم من خلاله اكتشاف الحقائق. هذان النظامان - المنطقي والسيكولوجي - بالنسبة لأرسطو، يمثلان تناقضًا أساسيًا في فلسفته. الطريق من العام إلى الخاص والطريق من الخاص إلى العام، أي بمعنى آخر، طريق الطبيعة الحقيقية للأشياء وطريق الذهن البشري، أي النظام المنطقي والنظام السيكولوجي.
في هذا السياق، يظهر ابتعاد أرسطو عن أفلاطون، الذي كان يرى تطابقًا بين النظامين المنطقي والسيكولوجي، لا تناقضًا. أفلاطون كان يقول بأن العقل يكفي وحده للمعرفة، بينما يعتقد أرسطو بأن مهمة الحس في المعرفة لا تقل عن مهمة العقل. يجب أن نحتك بالواقع حتى نعرف شيئًا عنه، والذهن لا يحتك بالواقع إلا عن طريق الحواس.
لا توجد مفاهيم فطرية في الذهن، فهو لوح مصقول "Tabula Rasa" تُسجل فيه الكتابة فقط بعد الإدراك. تبدأ المعرفة بعد الإدراك، وتأتي المفاهيم منها عن طريق التجريد التدريجي وعن طريق تقسيم العوامل العامة. هنا فقط تبدأ مهمة العقل، فبواسطة مادة الإدراك التي تقدمها لنا الحواس، نتعرف على ما هو عام في الأشياء وما هو - حسب رأي أرسطو - أساسي. المعرفة العقلية هي الهدف، بينما المعرفة الحسية هي البداية والأساس الذي لا مفر منه.
في هذا الإطار، يظهر التوفيق بين العقلانية والحسية في فلسفة أرسطو بالقول بأن العقل هو الوحيد الذي يستطيع أن يأخذ ما هو أساسي من التجربة. وقف أرسطو موقفًا عقلانيًا، ولكنه ربط عقلانيته بالتجريبية الجنينية. لم يؤكد أي شخص مثلما أكد أرسطو حقيقة أن لا طابع سلبي للمعرفة، إذ إن كل أجهزة الذهن تكون استقبالية عند معرفة الأشياء، أي تخضع لنشاط تلك الأشياء.
هذا ينطبق أيضًا على العقل، مع الفرق بأنه يحتك مع الأشياء بصورة غير مباشرة عن طريق الصور التي تعطيها له الحواس. ركز أرسطو كثيرًا على الأساس التجريبي للمعرفة، ووقف ضد نظرية العامل الفطري وضد النظريات الغامضة. لا يمكن لأي نفحة غامضة أن تحل محل التجربة.
بخلاف أفلاطون الذي كان يرى أن العقل قليل الحيلة تجاه القضايا الرئيسية، كان أرسطو يثق في العقل وفي الحواس أيضًا، أي كان يثق بسلطات العقل المكتسبة. كان أرسطو يقول إن البراهين لا يمكن أن تبدأ من اللانهاية، بل يجب أن تكون لها بدايات. هذا مصدر ثقته في العقل.
كان يقول إن الحقائق العامة التي يصل إليها العقل تستحق الثقة ولا تتطلب برهانًا، وهي التي تقوم بدور الحافز الأول. وعليه، تعتمد فلسفة أرسطو على حقائق لا تتطلب براهين، وهي فلسفة عقائدية واعية. هذه الثقة في العقل أهلتها لبناء الميتافيزيقا، ولكنها لم تهتم بنقد المعرفة.
في نظام أرسطو، يلعب المنطق وسيكولوجية المعرفة نفس الدور الذي يلعبه نقد المعرفة أو نظريتها في الأنظمة الفلسفية الأخرى.
ثانيًا: الفلسفة
- أولاً: علم المنطق باعتباره نظامًا تمهيديًا.
- ثانيًا: الفلسفة.
وقد برر هذا التقسيم الثنائي ديخوتيوميا Dichotomy (مصطلح فلسفي ومنطقي يُشير إلى تقسيم شيء إلى قسمين متناقضين أو متعارضين تماماً)، بقوله بأن للعقل مهمتين ( معرفة أسس الوجود وأسس النشاط ) وبأنه يمكننا المعرفة بطابعين للحياة (حياة للبحث وحياة النشاط).
- الفلسفة النظرية.
- الفلسفة العملية.
- علم الأخلاق.
- السياسة.
- الاقتصاد.
- الشعر( بالرغم من انه أحيانا اعتبر الشعر قسماً مستقلاً من الفلسفة).
- الفيزياء.
- الرياضيات.
- الفلسفة الأولى.
أساس هذا التقسيم كان درجة التجريد، حيث توجد أقل درجة من التجريد في الفيزياء، وتوجد أعلى درجة في الرياضيات. كان أرسطو يعتبر الرياضيات مفهومًا واسعًا يشمل علومًا أخرى مثل الموسيقى، علم البصريات، علم الفلك، والميكانيكا.
يوجد علم آخر يحتوي على تجريد أكثر من الرياضيات وهو علم "الوجود كما هو"، الذي يناقش الخواص العامة للوجود وكل أشكال تكوينه التفصيلية. أطلق أرسطو على هذا العلم اسم "الفلسفة الأولى" أو ببساطة "الفلسفة" بالمعنى الدقيق للكلمة. فيما بعد، أطلق عليها اسم "الميتافيزيقا".
كانت الميتافيزيقا المركز الحقيقي لفلسفة أرسطو، وكانت نتائجها تقرر طابع الفروع المتخصصة الأخرى من العلوم حول الله والطبيعة أو الروح.
كان أرسطو متيقنًا بأن الوجود المستقل، أو ما أطلق عليه اسم "الجوهر"، هو الأشياء المحددة فقط. في الواقع، يمكن فهم الوجود بطرق مختلفة، إما باعتباره مجموعة من الأشياء أو مجموعات من النوعيات والكميات (Quantums) أو العلاقات المختلفة بين المقولات.
لكن من بين كل هذه المقولات، يوجد شيء واحد يُعد الجوهر، في حين أن النوعيات والكميات والعلاقات يمكن أن توجد فقط بارتباطها بالأشياء أو "تصادفها" (Accidentia). كان هذا الأساس الذي بنى عليه أرسطو فلسفته، حيث لم يعترف بأي وجود مستقل غير الأشياء الواقعية.
بهذا المنهج، انفصل أرسطو عن أفلاطون الذي كان يرى أن هناك وجودًا مستقلًا للأفكار والمثل. ومن هنا، ظهرت المهمة الدقيقة للفلسفة الأولى عند أرسطو، وهي دراسة الوجود الواقعي للأشياء وتحديد خواصها العامة ومركباتها.
2- أرسطو ومفهوم الشكل والمادة
أدت الأبحاث المنطقية لأرسطو إلى التمييز بين جواهر التكوينات. إذا أخذنا مثالًا، مثل إنسان محدد، فمن المؤكد أن بعض خواصه تدخل في مفهوم الإنسان وتعريفه، بينما لا تدخل خواص أخرى مثل طوله أو حجمه. من هنا، يجب تقسيم أي شيء إلى:
- خواص عامة تشمل مفاهيمه.
- وخواص فردية لا تدخل في نطاق التعريف.
- أطلق أرسطو اسم "الشكل" على الخواص المفهومية النوعية والعامة للأشياء.
- وأطلق على ما تبقى اسم "المادة".
تحول مفهوم "المادة" لدى أرسطو ليشير إلى ما هو ليس شكلاً في الجوهر، أي ما هو غير مصاغ وغير محدد بطبيعته. المادة، كما فهمها أرسطو، ليست مثل البرونز أو المرمر، بل هي المادة "الأولى" الخالصة، التي لا تحتوي على شكل وتعد الأساس غير المحدد للظواهر.
بهذا المفهوم، وضع أرسطو فلسفة جديدة تجمع بين المادة والشكل. فعندما يصيغ النحات تمثالًا من البرونز أو المرمر، يكون الشكل هو ما يعطي الجوهر الوحدة، بينما تظل المادة هي الأساس الذي يبقى بعد اندثار الشكل. يقول أرسطو إن الجوهر ليس هو المادة ولا الفكرة، بل هو تكوين يجمع بين الاثنين.
عندما يتحطم التمثال ينتهي شكله ولكن تبقى مادته والمادة هي أيضا كل ما هو متعدد ومتنوع وقابل للانقسام في الجوهر لان الشكل يرتبط فقط بالوحدة. قال الفلاسفة القدماء بان المادة هي الجوهر وقال أفلاطون بان الجوهر هو الفكرة. ولكن أرسطو يقول بان الجوهر ليس هو المادة ولا الفكرة ولكن كل منهما يمثل تكويناً للجوهر،
أطلق على هذا المفهوم اسم "الهيليمورفية"، وهو مفهوم فلسفي يجمع بين المادة والشكل ليشكل جوهر الأشياء الواقعية. بهذا الشكل، كانت فلسفة أرسطو مختلفة عن أفلاطون والفلاسفة السابقين، حيث رأى أن المادة والشكل لا يمكن أن يكونا منفصلين.
3- أساس الأشياء في فلسفة أرسطو
كان أرسطو يعتبر كل من مكوني الجوهر ضروريين بدرجة واحدة، ولكنهما ليسا على نفس الدرجة من الأهمية. كان يرى أن الشكل أهم من المادة، حيث اعتبره المقابل للمفهوم، تمامًا كما كان أفلاطون يفهم الفكرة الأصلية. ولعب الشكل في فلسفة أرسطو نفس الدور الذي لعبته الفكرة في فلسفة أفلاطون، مما جعله عاملًا مهمًا في كل من المعرفة والوجود.
أ- المعرفة الحقيقية بطبيعتها مفهومية، لأن الذي يخبرنا بحقيقة الشيء هو الفكرة التي نأخذها عنه، وليس الإدراك الذي يأتي عن طريق الصدفة. نحن نعرف عن الشيء فقط المفهوم الذي يحتويه، أي أننا نعرف فقط الشكل. كانت هذه أول نتيجة مهمة للمطابقة بين الشكل والمفهوم. ومن هنا، يتضح أنه لا يمكن معرفة المادة. والمادة هنا هي بالطبع المادة الأولى، لا المادة التي نقابلها يوميًا مثل البرونز أو المرمر، لأنها أساسًا غير مصاغة، وبالتالي لا يمكن معرفتها.
ب- المكون الأساسي للأشياء هو المفهوم الذي يحتويه الشيء. فالتمثال هو فقط الخواص التي توجد في مفهوم "التمثال"، وكل شيء عدا ذلك ناتج من الصدفة ويمكن أن يوجد أو لا يوجد. ما يوجد في المفهوم وما هو خاصية للنوع هو ثابت، وما هو ثابت هو الأساس. ولذلك، فإن الشكل باعتباره المكون المفهومي للأشياء هو المكون الأساسي وهو أهم شيء في الجوهر، وهو أساس الأشياء.
وهذه هي النتيجة الثانية من حيث الأهمية لمطابقة الشكل مع المفهوم. وقد أدى تمايز شكل الأشياء إلى وجود مفاهيم مثل "أساس الأشياء" و"الخواص الأساسية" في فلسفة أرسطو. وقد ميز الفلاسفة القدماء بين الخواص التي تقع في طبيعة الأشياء والأشياء التي لا تقع في طبيعتها، بينما قام أرسطو لأول مرة بالتمييز بين الخواص الأكثر أساسية وتلك الأقل.
بهذا، قدم أرسطو رؤية جديدة للتقويم للفكرة بالنسبة للأشياء، مما جعلها تندرج ضمن طبيعة الأشياء.
4- العلة والغاية في فلسفة أرسطو
يمكن البحث عن تفسير خواص الأشياء بأربعة طرق: عن طريق شكل الشيء، أي مادته، علته المكونة، وغايته. وهكذا نعرف الشيء نفسه بمعرفة هذه الجوانب الأربعة. هذه هي الأسس الأربعة للشرح:
- الشكل
- المادة
- العلة
- الغاية
الأساسان الأول والثاني هما مكونات الأشياء. ولكن ما هما الأساسان الثالث والرابع؟ ما هي العلة؟
لنأخذ مثلاً قيام التمثال. قام النحات بالتفكير فيه، وعلى أساس هذا التمثال الموجود فقط في ذهن النحات، أي غير المادي، يقوم التمثال المادي. ولكن ما هو الشيء الذي يربط بين العلة والمعلول؟ ليس هو المادة، لأن العلة كانت غير مادية. لذا، فهو الشكل المشترك.
نفس الشيء يتم عند نشوء النتاجات البشرية الأخرى، حيث العلاقة العلية في الطبيعة هي أول علاقة من نفس النوع، حيث تلد الوحدة الحية وحدة أخرى من نفس الفصيلة، أي بنفس الشكل، بالرغم من اختلاف المادة بينهما. وهكذا، فإن العلة المكونة تقع في الشكل، لا في المادة. وعليه، فالشكل ليس فقط عاملاً شكليًا ومثاليًا، وإنما هو القوة التي تعمل وتأتي بنتائج، أي أنه عنصر نشط للجوهر.
أخذ أرسطو في الاعتبار، تمامًا مثل ديمقريطس، إمكانية الفهم السببي الخالص للعالم. فكل ما يحدث يحدث نتيجة "لحتمية"، وليس لأي غاية. فكر في هذا المفهوم، ولكنه لم يعتبره صحيحًا. وكانت حجته كالآتي: يعرض هذا المفهوم الحقائق باعتبارها نتيجة للصدفة، وبذلك لا نستطيع تفسير الطبيعة، حيث تتميز الأشياء أساسًا بالموضوعية والاتجاه الثابت للتطور.
ولهذا، فإن التفسير يمكن أن يأتي عن طريق الغاية الثابتة. نحن نعرف الغائية عن طريق الإنتاج البشري، ولكن الطبيعة أيضًا تسعى نحو الغاية. الأشياء تسودها أيضًا علاقات قانونية تمامًا كالكائنات البشرية. بل إن غاية الطبيعة أوضح من غاية النتاجات البشرية. بالطبع، تعمل الأسباب لقيام أي تحول، ولكن في اتجاه محدد عن طريق الغاية.
فمبضع الجراح يقطع، وهو علة العملية الجراحية، ولكن يقطع حسبما تمليه غاية العملية، أي علاج المريض. ونفس الشيء يحدث في الطبيعة. وهكذا حاول أرسطو أن يوفق بين أفلاطون وديمقريطس، أي بين فلسفة المصادفة والقدرية، ولكن ساد أفلاطون في هذا المفهوم التوفيقي. تعمل العلل، ولكنها تعتمد على الغاية.
اختلف أرسطو عن أفلاطون في فهمه للغاية، ونادى بأن الغاية ليست أصلانية وثنائية، وهي لا تقع خارج نطاق الأشياء، وإنما فيها نفسها. يمكننا أن نرى بوضوح أن الكائنات الحية غاية الأشياء، فهي تتطور بحيث تحتفظ بخصائص نوعها، وهكذا الأمر في الأشياء، غايتها هي تطوير خصائصها النوعية، أي الشكل.
وهكذا، فالشكل هو علة الأشياء بقدر ما هو غايتها. وقد تقلصت الأسس الأربعة إلى أساس واحد، والسبب هو التعديل في مفهوم الشكل. الشكل هو القوة التي تعمل بغاية، وهذه هي أوضح صورة لمفهوم أرسطو عن الشكل، وهو مفهوم ثنائي: الشكل هو من جانب عنصر مفهومي، ومن جانب آخر عنصر نشط.
5- الطاقة والطاقة الكامنة في فلسفة أرسطو
ولأن طبيعة الشكل هي النشاط، فقد وصفه أرسطو أيضًا بأنه طاقة (Epyta)، وهي باللاتينية Actus. ولهذا، تُسمى أحيانًا بالنشاط. ولأن الشكل هو مكون أساسي للوجود، فإن أساس الوجود هو الطاقة والنشاط.
هنا، لا تعني الطاقة أنها تحتل حيزًا، أي المكان، وإنما تعني أنها تعمل. لم يكن هذا مفهومًا جديدًا تمامًا، فقد نادى به الهيلوزيين، فلاسفة الطبيعة الأوائل، حيث كان أساس الطبيعة يعتبر كل ما هو قوة. ولكن أرسطو صاغ هنا مفهومًا طاقويًا واضحًا للوجود.
إذا كان الشكل هو الطاقة، فما هي المادة؟ هي الطاقة الكامنة (ΣύϋαμίΣ). وهي كلمة كامنة تحمل معنيين: قوة وإمكانية. باللاتينية، تعني Potentia، والطاقة الكامنة هي مناقضة ومكملة للطاقة.
يعتمد المفهوم الأرسطالي للطاقة الكامنة على التجربة الداخلية للقوة، وقد أعطاه أرسطو طابعًا موضوعيًا استند إلى الظواهر المادية وجعل منها مفهومًا فلسفيًا. وهكذا، حل أرسطو العديد من القضايا عن طريق بعض المفاهيم مثل "الطاقة والطاقة الكامنة" و"الشكل والمادة".
فقد شرح عملية النشوء وأيضًا النتاجات الجاهزة لهذه العملية، حيث إن الأشياء هي الواقع. وقد فهم التواجد باعتباره تخفيفًا للطاقة الكامنة، والواقع باعتباره طاقة ثم تحقيقها فعلًا. على سبيل المثال، نمو النبات هو تحقيق للطاقة ونضوج ثمراته (ΣύΤΣΑΣ Σςα). وقد يكون هذا التعبير مستمدًا من (ΤΟΣ ΤΣΑΣ ΣΣΧειύ).
6- استخدام الأسس العامة (نظرية الطبيعة) في فلسفة أرسطو
رأى أرسطو - بطبيعة الحال - في الطبيعة تلك العوامل الميتافيزيائية التي اعتبرها العوامل الأساسية للوجود، أي الجوهر والشكل والطاقة والغاية.
بمعنى آخر، كانت مفاهيمه للطبيعة تتكون من أربعة جوانب رئيسية: جوهرية، كيفية، ديناميكية، غائية. وبهذا المعنى، رأى أرسطو أن أسس الظواهر لا تكمن في العلاقات المنطقية، وإنما في الجواهر المحددة.
كما كان يعتبر أن الخواص الكيفية التي تتبع الشكل أكثر أهمية من الخواص الكمية، حيث كان يرى نشاط القوات الذاتية في الطبيعة، ويفسر هذا النشاط بأنه سعي نحو الغاية.
لم يكن هذا المفهوم للطبيعة جديدًا تمامًا، بل كان قريبًا من مفاهيم الفلاسفة القدامى، ولكنه كان يتميز بطابع مقاتل، إذ كان يصارع ضد المفهوم السائد في الفكر الإغريقي الذي كان يرفض هذه الرؤية. كان يقف ضد معاملة الفيثاغوريين وأفلاطون للظواهر من منظور كمي، كما كان يعارض الفهم السببي الخالص لديمقريطس.
رفض كل هؤلاء الفلاسفة دور الحواس في إعطائنا صورًا للعالم، بينما رأى أرسطو أن تصورنا للعالم ناتج من نشاط حواسنا. لهذا انفصل أرسطو تمامًا عن العقلية التي كانت تنادي بالفهم الكمي للظواهر. كان موقفه هذا سهل التأكيد في الأبحاث البيولوجية، ولكنه كان ضعيفًا في مجالات الميكانيكا والفلك.
كان أرسطو يفسر حركة الأجسام، مثل سقوط الأحجار وارتفاع الدخان، على أنها سعي غائي نحو المكان الطبيعي لكل من هذه الأجسام. ولهذا، كان ينادي بأن المسافة - باعتبارها علاقة لا جوهرًا - لا يمكن لها أن تعمل، وبالتالي لا تستطيع تغيير قوة هذا السعي. وقد خرج من هذه الفكرة بفرضيات زائفة في علم الميكانيكا دفعته لصياغة قوانين خاطئة للحركة، وقد استمرت نظرياته هذه لمدة ألف عام.
كان إنجازه في علم الفلك يمثل خطوة للأمام، إذ رفض الافتراض القائل بحركة الأرض ورجع إلى نظام إيدوكسوس. هنا أيضًا ساد مفهومه هذا لمدة ألف عام، حيث أصبحت الأرض عنده مركزًا غير متحرك للعالم، تتحرك النجوم حولها.
أكثر من ذلك، افترض أرسطو أن الحركة لا يمكن أن تستمر إلا إذا وجدت قوة دافعة ثابتة، لذا افترض وجود قوة تحرك هذه المجالات. ونتيجة لكمال هذه الحركة، اعتبر هذه القوة كائنات إلهية، مما شكل فهمًا صوفيًا للعالم وعائقًا لتطور علم الفلك.
7- العلة الأولى (علم اللاهوت) في فلسفة أرسطو
يعتبر العالم خالدًا ومحددًا مكانيًا. فالعالم خالد لأن المادة التي يتكون منها، والأشياء، هي شرط لكل أشكال التطور، ولا يمكن أن تكون ناشئة من عملية التطور.
لم تنشأ المادة، ولذلك فهي خالدة هي وكل العالم المادي. كما أن العالم محدد مكانياً، إذ لكل من عناصر الحياة مكانه في العالم، فلا توجد أي مادة خارج نطاق عناصر الحياة.
لأنه لا يوجد حتى فراغ، فالفراغ هو مكان لا يحتوي على مادة ولكنه يمكن أن يحتوي عليها. بما أن العالم خالد، لم يوجد عالم آخر قبله، ولن يأتي عالم بعده.
لأنه لا يوجد مكان خارج الحدود، فلا يوجد عالم آخر معاصر له. وبالتالي، فإن عالمنا هذا هو العالم الوحيد.
وتتم في هذا العالم عملية واحدة، وهي التشكل التدريجي للمادة، أي تحويل ما هو كامن فيها إلى وجود واقعي. لذا، يشكل الكون سلسلة غائبة وموحدة الترابط للأحداث.
ومع ذلك، هناك ثغرة في وحدانية العالم هذه. فكل حلقات هذه السلسلة ذات طبيعة واحدة، ما عدا الحلقة الأولى، حيث لكل شيء علته.
لكن هذا التسلسل لا يستمر إلى ما لا نهاية، لذلك لابد من وجود علة أولى. ويجب أن تكون للعلة الأولى خواص مختلفة عن كل الأشياء التي نعرفها.
فكل الأشياء الأخرى هي نتاج لنشاط العلل، ولكن لا يوجد للعلة الأولى علة أخرى سوى نفسها. الأشياء الأخرى تعتمد على غيرها، ولكن العلة الأولى مستقلة، وهذه هي خواص هذا الوجود المستقل:
غير متحرك وغير متغير: لا يمكن أن يحركه شيء آخر، لأن العلة الأولى لا يمكن أن تتحرك لوحدها لأنها ستكون عندئذ وجودًا.
غير مركب: لأن تركيب الأجزاء يحتاج إلى علة.
ليس مادياً: لأن المادة هي مصدر التغيير، وكل ما هو مادي متغير، أي هو شكل خالص وطاقة خالصة.
كائن روحي: لأن هذا هو الشكل الوحيد لفهم الشكل غير المادي.
عاقل: يدفعنا المقارنة مع الحياة الروحية الإنسانية إلى رفض له المهام النفسية الدنيا مثل الإثارة عن طريق علل خارجية.
يسبب حركة العالم: فهو الغاية التي تجذب العالم، ويعمل مثل "العاشق الذي يجذب محبوبته".
نشاط هذا العقل يقتصر فقط على التفكير: وموضوع التفكير هو العقل نفسه. العارف لا يشبه الشيء الخاضع للمعرفة.
هو واحد: وإلا لما كانت هناك وحدة في العالم، ولا أصبح العالم تجمعًا للأحداث.
حتمي: لأنه لا يحتوي على مادة تتضمن إمكانيات متنوعة.
كامل: لأن أكمل ما في الوجود هو الشكل والعقل والطاقة.
يوضح لنا هذا العالم العارض والناقص وغير المستقل الوجود الحتمي الكامل والمطلق. طالما وُجد العالم، فإنه يوجد المطلق عند أفلاطون.
بدأ ديمقريطس أبحاثه من العالم الفيزيائي وانتهى به، أما أفلاطون فقد بدأ من المطلق. لكن أرسطو بدأ من دراسة العالم الفيزيائي وتوصل منه إلى المطلق.
وقد كرر كثيرًا في كتاباته أنه لا يوجد شكل بدون مادة، ولكنه اعترف أخيرًا بهذا الشكل الخالص. وقد نقد أفلاطون كثيرًا على فكرته عن الوجود الأصلي، ولكنه نادى نفسه أخيرًا بهذا الوجود الأصلي.
هذا الوجود المطلق الحتمي والكامل، والذي يحرك العالم، هو ما يطلق عليه الجميع اسم الله. وهكذا انتهى علم الكون الأرسطالي إلى اللاهوت.
فمن خلال الأبحاث الكونية، توصل أرسطو إلى إثبات وجود الله وتحديد طبيعته. وقد كان هذا الإثبات مثالاً لكيفية البرهنة على وجود الله، وقد أطلق عليه اسم البرهان الكوني (الكسمولوجي).
كانت مفاهيم أرسطو تشكل مرحلة مهمة من مراحل اللاهوت الإغريقي. فهو يشكل صورة واضحة للوحدانية الدينية التي نادى بها إكسينوفانس في الفلسفة الإغريقية.
كما كان المفهوم الأرسطالي عن الله بوصفه روحًا خالصًا مفهوماً جديدًا. كانت نية الله فكرة جديدة، رغم أنها مستمدة من "العقل" عند أناكساغوراس وفكر الخير عند أفلاطون.
كما كان أرسطو يفهم دور الله في العالم بشكل يختلف عن فهم أفلاطون. لم يكن الله بالنسبة له بانيًا للعالم، لأن العالم لم يخلقه أحد، فهو خالد.
لكن الله أعطى العالم الحركة، أي أنه علته الأولى وهو هدفه الأول، ولكنه ليس خالقه. كما أعطى أرسطو الله أحيانًا صفات ديميورق الأفلاطوني، وأحيانًا أخرى أعطاه خواص الفطرة الأفلاطونية.
وهكذا حل اللاهوت محل الأيدلوجية، فبدلاً من المقابلة بين الفكرة للأشياء، أصبحت المواجهة بين العالم والله.
المجال السماوي والمجال الأرضي (علم الكون "كوسمولوجيا")
أثرت الثنائية الأرسطالية (العالم والله - الوجود الكامل والوجود الناقص) على علم الكون لديه وأعطته طابعًا ثنائيًا. يعمل الله بطريقة ثابتة، وعليه فالحركة - والأشياء هو خالقها - هي ثابتة.
وهذه الحركة هي فقط حركة النجوم السماوية. المجال الخارجي للعالم، أي ما يسمى بـ "السماء الأولى"، هو الوحيد الذي تأتي حركته من الله. فقط في هذا المجال تعمل العلة الأولى بشكل مباشر.
يفسر أرسطو السبب بأنه هو حركة المجالات الأخرى، والتي تشبه حركة السماء الأولى، وأن محركيها هم الكائنات الشبيهة بالعلة ولكنها أقل كمالاً. وهكذا أصبحت "العلة الأولى للحركة" متعددة بعد أن كانت واحدة نتيجة لاعتبارات فلكية.
وهكذا تحول اللاهوت إلى علم للفلك، وأيضًا بالعكس، تحول علم الفلك إلى لاهوت فلكي، وأصبح كل مجال "ما فوق القمر" يعتبر نتاجًا للنشاطات الإلهية.
يوجد في الكون مجالات لهما طبيعتان مختلفتان تمامًا: "المجال السماوي والمجال الأرضي". المجال الأول تحركه العلة الأولى والكائنات القريبة من العلة الأولى.
وهذا مجال كامل تسوده حركة دائرية. الحركة الدائرية هي الأكثر كمالاً لأنها أكثر الحركات انتظامًا ووحدة، والمادة أثيرية.
أما المجال الأرضي، الذي يوجد في مركز العالم، فهو في حركة عادية مستقيمة والمادة مبنية من عناصر الحياة الأربعة. وهكذا، فإن العالم الأول ثابت وخالد على نمط العالم الإيلي.
بينما العالم الثاني متغير ومتنوع على نمط العالم الهيراقليطي. إذا كان العالم الأرضي يحتوي على شيء ذي قيمة، فسيكون ذلك ناتجًا من تأثير العالم السماوي، أي نشاط النجوم.
أدت معالجة أرسطو علم الطبيعة باعتبارها تطبيقًا للاهوت إلى اتخاذه طريقًا يختلف عن طريق الأبحاث الإغريقية القديمة، التي كانت لها إنجازات عظيمة. فقد رفض أرسطو النظام الفلكي الفيثاغوري والعلم الديمقريطي حول وحدة بناء العالم.
نبعت هذه التأملات اللاهوتية الفلكية الأرسطالية من فتراته الأولى، حيث كان خاضعًا لتأثير أفلاطون. قد يكون قد تخلى عنها مؤخرًا عندما بدأ في الأبحاث العلمية، ولكنها على أي حال بقيت في مؤلفاته وانتقلت إلى خلفائه فيما بعد.
واستمرت لسنوات عدة هذه التعاليم الأرسطالية حول المقابلة بين العالم السماوي والعالم الأرضي، ونظرية تأثير النجوم على الأرض والعالم حول الوضع المركزي للأرض ووجود كائنات إلهية تحرك العالم.
8- الروح (علم النفس) في فلسفة أرسطو
استخدم أرسطو الأسس العامة لفلسفته في مجال علم النفس، فقد استند إلى مفاهيم الشكل والمادة ليوضح العلاقة بين الروح والجسد. ولهذا، قدم المفهوم الثالث الكبير حول هذه المسألة في الفكر الإغريقي.
هذا المفهوم يقول إن الروح ليست جوهراً منفصلاً عن الجسد كما نادى أفلاطون، لكنها أيضًا ليست جسدًا كما كان يقول ديمقريطس. حسب رأي أرسطو، الروح هي شكل أو طاقة للأجسام العضوية، مما يعني أن الروح والأجسام العضوية تمثلان كلًا لا ينفصل.
لا يمكن للروح أن توجد بدون الجسد، كما لا يمكن للجسد القيام بمهامه بدون الروح التي تعطيه الحياة. وقد أكد أرسطو أن الروح كطاقة للأجسام العضوية هي سبب النشاط الذاتي للكائنات الحية، مما يجعل هذا مفهوماً ديناميكيًا.
كانت هذه الفكرة مهدت لها أفلاطون من قبل، وامتدت لتشمل جميع العلوم البيولوجية. وبهذا الفهم، أصبحت الروح عاملاً أساسيًا للحياة العضوية، لذا يمكننا فهم قول أرسطو إن العالم الطبيعي يجب أن يتعامل مع الروح بدرجة أكبر من تعامله مع الجسد.
يمثل الوعي مهمة واحدة فقط من مهام الروح المتعددة حسب نشاطات الجسم العضوي. وقد وضع أرسطو تسلسلاً لهذه المهام، حيث إن أعلى درجات الوعي لا يمكن أن تتم بدون الدرجات الدنيا.
وبهذا الشكل، يكون التفكير أعلى من الإدراك، والإدراك أعلى من النشاط الهادف لبقاء الحياة. وقد ميز أرسطو بين ثلاث مهام تتناسب مع أنواع الروح الثلاث: الروح النباتية، والتي لها فقط أدنى مهمة وهي الغذاء والمحافظة على الحياة، ولا تملك أي أجهزة تساعدها على الإدراك.
أما الروح الحيوانية، فتتعلق إدراكها بالمتعة والألم، وتتضمن السعي للمتعة وتفادي الألم. وهكذا تبدأ العواطف والغرائز عند الروح الحيوانية، مما يؤدي إلى بدء المهام النفسية في العمل.
ثم تأتي الروح العليا، أي الروح المفكرة، والتي يتميز بها الإنسان فقط. وقدرتها، أي العقل، هي أعلى قدرة للروح، وهو الذي يعرف الوجود والخير. بمعرفته للخير، يحرك الإرادة، وبالتالي تصبح الأمور عقلانية.
عندما يوجه العقل الإرادة، نطلق عليه اسم العقل العملي، بخلاف ذلك، يُعرف بالعقل النظري. ولأن القدرات العليا تحتوي على القدرات الدنيا، فإن الروح الإنسانية تمتلك كل قدرات الروح.
وبذلك، قرب أرسطو المسافة بين المتناقضات: الروح والجسد، الحواس والعقل. وأصبح علم النفس الأرسطي مثالاً واضحًا لتوفيقية هذا الفيلسوف، القادر على جعل العناصر المتناقضة تتوحد في درجات سلم واحدة.
لكن هذا التدرج ليس متسقًا تمامًا، إذ إن أعلى مقدرة للروح، أي العقل، تمتاز بطابع مختلف تمامًا عن باقي الدرجات. توجد صعوبة أساسية في مفهوم أرسطو للعقل، حيث كان مؤمنًا بأن كل أنواع السلطة المعرفية للروح يجب أن تكون استقبالية، إذ إن المعرفة لا تأتي من ذاتها.
من جهة أخرى، تعتبر الروح الاستقبالية بشكل خالص مجرد آلة تتحرك من الخارج. لكن أرسطو يقر بأن الأرواح الدنيا هي آلات، لكنه يعتبر العقل مختلفًا، فهو يتعرف ذاتيًا ويعتبر المسبب الأول لنشاطاته.
وقد حل أرسطو هذه الصعوبة، أي أن العقل يُعتبر من جانب استقبالي، ومن الجانب الآخر، ذاتيًا. وقد استند في ذلك إلى ثنائية العقل، أي العقل السلبي والعقل الإيجابي.
العقل السلبي يقوم بالمهام الاستقبالية للمعرفة، بينما يقوم الإيجابي بالمهام الذاتية. يعتمد السلبي على استقبال المادة من الحواس، بينما تعتمد مهمة الإيجابي على تحريك العقل السلبي، لذا فهو السبب الأول لنشاطات الروح الذاتية.
رغم غموض هذا العلم الأرسطي، فإن مقاصده واضحة. حتى يكون العقل الإيجابي السبب الأول، يجب أن يكون شكلاً خالصًا، وفعلًا خالصًا. ترتبط كل مهام الروح بالجسد وتشارك مصيره.
لكن العقل الإيجابي لا يشارك في ذلك، فهو مستقل عن المادة وغير قابل للفناء، ولهذا فهو يحمل طابعًا إلهيًا أكثر من كونه إنسانيًا. ونتيجة لذلك، تصبح الروح كأنها نموذج مصغر للكون، لها علته الأولى الخاصة.
الروح في الإنسان تقوم بدور الله في الكون، وهنا يظهر تناقض في أقوال أرسطو. يقول إن الشكل لا يوجد إلا بعلاقته مع المادة، ولكن الله والروح أشكال مستقلة، وهذه تُعتبر بقايا من الفكر الأفلاطوني عند أرسطو.
وبذلك، نادى أرسطو بالمفاهيم الأفلاطونية ولكنه وقف ضدها في الوقت نفسه.
9- أعلى درجات الخير في فلسفة أرسطو
انطلاقًا من الأسس التي وضعها أفلاطون، وضع أرسطو نظرية تجريبية وواقعية في علم الأخلاق. أراد أفلاطون صياغة فكرة الخير على ضوء الحياة، بينما نادى أرسطو بعدم وجود أي خير عدا الخير الواقعي.
نادى أفلاطون بالأهداف الأصلانية، بينما أصر أرسطو على الأهداف التي يمكن الحصول عليها. كان علم الأخلاق الأفلاطوني يفهم الأخلاق باعتبارها أسسًا خالصة، بينما ربط أرسطو بين الأسس والنشاط الإنساني.
أخذ أفلاطون الأسس من الفكرة، بينما استمدها أرسطو من الطبيعة الواقعية للإنسان. أقر أفلاطون فقط بالأسس العامة، لكن أرسطو حاول التوفيق بين عمومية الأسس والطبيعة الفردية للإنسان العامل.
كان مقياس الصحة عند أفلاطون هو القانون العام، بينما وضع أرسطو مثالًا حيًا للإنسان الحكيم والخير. وعلى أساس هذه القواعد، نادي أرسطو بإمكانية إيجاد طبيعة الخير ليس عن طريق التفكير التجريدي، وإنما من خلال الأهداف الواقعية التي يحددها البشر في حياتهم.
تتباين غايات البشر بالطبع، لكن يوجد فيها أهداف عليا وأخرى دنيا، حيث تعتبر الأهداف الدنيا وسائل لتحقيق الأهداف العليا. ولا يمكن أن يستمر تسلسل الأهداف والوسائل إلى ما لا نهاية، وإنما يجب وجود أهداف في غاية السمو بحيث لا تشكل نفسها وسيلة لأي هدف آخر.
هذه الغاية هي أعلى خير يمكن الحصول عليه، وفي رأي أرسطو، هي "الإيديمونا" التي احتلت القمة في علم الأخلاق الأرسطالي. أي نفس المحل الذي كانت تحتله فكرة الخير التجريدية عند أفلاطون، كانت الإيديمونا تعني عند الإغريق كمال الفرد، أي أعلى ما يمكن أن يحققه الإنسان.
يمكننا أن نترجم كلمة "الإيديمونا" Eudaimonia إلى "السعادة"، لكننا نخشى أن تؤدي هذه الترجمة إلى عدم الدقة. تشير الإيديمونا إلى أن أعلى الخير ليس هو الخير المثالي، ولا حتى الخير الخارجي أو الاجتماعي، بل هو كمال الفرد.
لكن ما هو الكمال؟ وهو ما لم تشرحه الإيديمونا بحكم طبيعتها العمومية. كان كل العلماء الإغريق تقريبًا إيديمونيين، لكن فهمها كل منهم بطريقته الخاصة.
كان أرسطو يعتقد أن الإيديمونا هي النشاط السليم للإنسان، وأن الطبيعة الصحيحة للإنسان - حسب العقلانية الأرسطالية - هي العقل. وعليه، فإن الإيديمونا هي أساس الحياة العاملة التي تعتمد على العقل.
10- الفضيلة
يضم نشاط العقل مجالين: المعرفة والحياة العملية. وعليه، فخبرات الإنسان العاقل هي ثنائية، تُسمى إحداهما ما فوق الأخلاقية مثل الحكمة والوقار، والأخرى أخلاقية مثل الكرم والشجاعة.
يمكن أن تكون الإيديمونا واضحة في الأعمال النظرية الخالصة، لأن العنصر النشط عندئذ هو فقط العقل. لكن الحياة نظرًا فقط هي خاصية إلهية لا يقدر عليها الإنسان، إذ يحتاج الإنسان في حياته ليس فقط إلى المعرفة، وإنما أيضًا إلى الصحة والاستفادة من كل الخيرات المادية. فالحياة بالعقل فقط هي مجرد برنامج مثالي غير واقعي.
تتطلب الطبيعة الإنسانية المعقدة أن تُشبع كل احتياجاتها، وعلى الإنسان أن يقوم بكل النشاطات العملية بصورة رشيدة، أي أن يعيش حسب الفضائل الأخلاقية. لا يمكن استنباط نظام الفضائل، بل يمكن فقط تحديده على أسس تجريبية.
تتعدد الفضائل بتعدد النشاطات الإنسانية، فلكل نشاط إنساني فضيلته. مثلاً، عندما يتعامل الإنسان مع الخير الواقعي، تكون الفضيلة هي الكرم، وعندما تسيطر عليه مشاعر التردد، تكون الفضيلة هي الشجاعة. التردد في حد ذاته ليس شيئًا، بل الشيء هو رد فعلنا تجاهه، عندما نتجاهل النوايا الأخلاقية وعندما لا توجد ضرورة للتردد.
التصرف العقلاني السليم تجاه التردد هو الشجاعة، وهي حالة متوسطة بين الجبن والتهور. أيضًا، الكرم هو علاقة سليمة تجاه المؤثرات الخارجية، وهو حالة وسط بين التبذير والبخل. وعليه، يتحتم علينا أن نبحث في كل مجال عن "الوسط".
على هذا الأساس، عرّف أرسطو الفضيلة بأنها المسلك الذي يلتزم بالتوسط. هذه الفضائل هي التي تشبع احتياج العقل، لأن الإنسان ليس فقط كائنًا عاقلًا، وإنما هو أيضًا كائن جسدي.
يتطلب إشباع الاحتياجات الجسدية شروطًا خارجية أخرى، لا يستطيع الإنسان السيطرة عليها. وعليه، فلا تستطيع الفضيلة وحدها ضمان الإيديمونا، إذ لا يمكن للإنسان السيطرة تمامًا على الحياة العملية، كما أن الحياة النظرية الخالصة غير متاحة له.
11- الفن
كانت الخاصية المميزة لأفلاطون هي أنه بحث - بجانب الواقع المعروف لدينا - عن شيء آخر أعلى من الأشياء، وهو الفكرة. كما نادى بوجود شيء فوق التجربة، أي المعرفة الحسية، وشيء آخر فوق الفن العادي، أي النفحات.
لكن خاصية أرسطو كانت تكمن في رفضه لهذا البناء الفوقي، معتبرًا إياه غير واقعي ولا عقلاني. رفض الفكرة والحس والنفحات اللاهية للشعراء. وهكذا سقطت النظرة الثنائية للفن، التي كانت سائدة أيام الإغريق والتي ضخمها وروج لها أفلاطون بتقسيم الفن إلى محاكاة وأخرى عبارة عن نفحات لا إلهية في الشعر.
اكتفى أرسطو بالقول إن كل الفنون هي محاكاة، مما مهد الطريق لقيام نظرية عامة وموحدة للفن تضم كل فروعه، من الشعر وحتى الرسم. وكانت نظرية أرسطو هذه هي أول نظرية طبيعية ترى أن الفن قدرة على إعادة صياغة الواقع.
كانت هذه النظرية واسعة الأفق وليبرالية، وعلم الجمال عنده - مثل فلسفته الأخرى - بعيدًا عن النظرية أحادية الجانب. وقد وضع اعتبارًا للعوامل الشكلية في الفن، إلى جانب عنصر العاطفة، خصوصًا في نظريته الشهيرة حول التراجيديا.
كانت هذه النظرية - باختصار - أساسًا لعلم الجمال الطبيعي الذي ساد لفترة طويلة، قبل أن يعود مرة أخرى إلى الموقف أحادي الجانب.
أساس الأرسططالية
الأرسططالية هي النظرية الفلسفية للوسط، وتتجنب كل أشكال الحلول المتطرفة، إذ تميل إلى الإقرار بجزئيات الحقيقة الموجودة في كل الحلول. في الميتافيزيقا، تتفادى الأرسططالية كل من المثالية والمادية، وفي نظرية المعرفة، تتفادى كل من العقلانية الخالصة والحسية الخالصة.
في علم الأخلاق، تتفادى الأرسططالية كل من الأخلاقية الصارمة وفلسفة اللذة. تقول في الميتافيزيقا بعدم وجود أي جواهر عدا المادية بالرغم من المثالية، وتؤكد أن أساس الجواهر هو تكوينها المثالي، وأن الجواهر فردية لكن أساسها عام.
في نظرية المعرفة، تقول إن أصل المعرفة تجريبي بالرغم من القبلية، وأن نتائجها عقلانية بالرغم من التجريبية، مما يعني أن المعرفة العقلانية تأتي عن طريق التجريب. في علم الأخلاق، ترى أن أعلى خير ليس الفضيلة، وإنما السعادة، حيث إن العمل بطريقة تليق بالإنسان العاقل والفاضل هو أساس السعادة.
قدم أرسطو العديد من المفاهيم والنظريات في مجال الفلسفة، حيث قام بتقسيم الفلسفة، وبإعطاء علم المنطق دورًا مستقلًا، وبتقديم "الفلسفة الأولى" باعتبارها قمة النظام الفلسفي. أسس السيلوجزم في علم المنطق، ودرس علم النفس باعتباره نظرية للجهاز النفسي.
وضع الأسس الأربعة للوجود، وهي الأسباب الشكلية والمادية والعلية والغائية، وصاغ مفاهيم ميتافيزيائية جديدة، مثل الشكل والمادة والطاقة والطاقة الكامنة. كما وضع مفاهيم جديدة حول الله باعتباره العلة الأولى للعالم، ومفهومًا جديدًا للروح باعتبارها شكلًا للأجسام العضوية، مما يشكل الإنجاز الفلسفي للأرسططالية.