recent
أهم الموضوعات

أثر المدرسة المشائية في الفكر الإسلامي

المشائية اصطلاحاً تشير إلى الفكر الأرسطي ومن شايعه في التفلسف، سواء من تلقى علوم الفلسفة مباشرةً منه، أو من تتلمذ على كتبه إما بالدراسة فقط أو بالدراسة والشرح والتعليق.

أثر المدرسة المشائية في الفكر الإسلامي
المدرسة المشائية

في العصور الوسطى، أعيد إحياء التراث الأرسطي من خلال الفلاسفة المسلمين مثل الفارابي وابن سينا، الذين قاموا بدراسة وتطوير الفلسفة المشائية، مما جعلها جزءاً من التراث الفلسفي الإسلامي. واستمر تأثير المدرسة المشائية حتى عصر النهضة في أوروبا، حيث لعبت دوراً مهماً في تشكيل الفكر الغربي الحديث.

المدرسة المشائية

المدرسة المشائية هي إحدى أهم المدارس الفلسفية في التاريخ، وترجع جذورها إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو (384-322 ق.م)، الذي يُعد المؤسس الأول لهذا التيار.

نشأت المدرسة المشائية في القرن الرابع قبل الميلاد في أثينا، وتحديداً في أكاديمية أرسطو. كان أرسطو يُعلّم تلاميذه وهو يسير بين الأروقة، مما أكسبها اسم "المشائية" (من الكلمة اليونانية "Peripatos" التي تعني التجول أو المشي).

بعد وفاة أرسطو، حافظت المدرسة على تعاليمه وواصلت تطويرها عبر تلاميذه، مثل ثيوفراستوس وسترابو، الذين نقلوا أفكاره إلى الأجيال اللاحقة. اعتمدت الفلسفة المشائية على المنهج العقلاني والنقدي الذي أسسه أرسطو، وركزت بشكل أساسي على دراسة الطبيعة، المنطق، الأخلاق، والسياسة.

مقدمة تأريخية عن المدرسة المشائية

في عام 367 ق.م، ارتحل أرسطو إلى أثينا وانضم إلى أكاديمية أفلاطون، حيث قضى عشرين عامًا، بدأ خلالها كتلميذ ثم أصبح معلمًا وباحثًا. كانت روح العلم الأفلاطوني مختلفة تمامًا عن الاتجاه التجريبي الذي نشأ عليه أرسطو. وقد أصبح الربط بين هذين الاتجاهين هو السمة المميزة لذهنية أرسطو.

مع مرور الوقت، بدأ أرسطو ينتقد بعض تعاليم أفلاطون، لكنه ظل في الأكاديمية حتى وفاة أستاذه. غادر الأكاديمية فقط عندما تم اختيار سبيوزيب، الذي لم يكن ذا شهرة كبيرة، خليفةً لأفلاطون. بعد مغادرته الأكاديمية، ارتحل أرسطو إلى أسوس في آسيا.

في أسوس، كان الحاكم هيرمياش يجذب أعضاء أكاديمية أفلاطون للبقاء هناك. قضى أرسطو ثلاث سنوات في أسوس وأتارينوس، متفرغًا للعلم والتدريس. وفي الأعوام 343-342 ق.م، استدعاه فيليب المقدوني ليعلم ابنه الإسكندر، حيث ظل أرسطو معلمًا للإسكندر حتى تولى الأخير السلطة.

غادر أرسطو حين بدأ الإسكندر زحفه نحو آسيا، وعاد إلى أثينا حيث استأجر مكانًا في منطقة تقع خارج مدينة "أبولو لوقيوس". لم يتمكن أرسطو من شراء المكان لأنه كان أجنبيًا عن دولة أثينا، فقام بتسجيله باسم أحد تلاميذه، ثيوفراستوس. هناك أسس أرسطو مدرسته الخاصة.

أسس أرسطو مدرسته على غرار أكاديمية أفلاطون، ووضع لها برنامجًا واسعًا طغت عليه روحه التجريبية. عُرفت هذه المدرسة لاحقًا باسم "المدرسة المشائية"، حيث أنشأ معاهد للأبحاث في مختلف مجالات المعرفة الإنسانية والطبيعية. من عام 335 إلى 323 ق.م، قاد أرسطو المدرسة بنفسه.

كانت محاضرات أرسطو في تلك الفترة تعتبر أكثر أهمية من مؤلفاته. بعد وفاته، استمر تلاميذه، مثل ثيوفراستوس وسترانو، في اتباع نهجه الفلسفي. لكن بعد منتصف القرن الثالث ق.م، بدأت المدرسة المشائية تفقد زخمها، ولم تعد تزدهر حتى العصر الروماني.

خلال هذه الفترة، ركز أعضاء المدرسة على الحفاظ على أفكار أرسطو والتعليق عليها بدلًا من الابتكار أو التوسع في الأبحاث الجديدة. رغم أن بعض المؤرخين لا يميزون بين الفلسفة الأرسطية والمدرسة المشائية، إلا أن الأغلبية تؤرخ لبداية المدرسة في عام 323 ق.م.

بعد وفاة أرسطو، تولى تلميذه ثيوفراستوس رئاسة المدرسة المشائية. اهتم ثيوفراستوس بالطبيعيات، علم النبات، الهندسة، وعلم النفس. خلفه استراتون، الذي ركز على الاتجاه المادي في فلسفة أرسطو، وناقش مسائل في الأخلاق والسعادة والملكية.

استمرت المدرسة المشائية في التطور عبر شخصيات بارزة مثل لوقون الطروادي وأرسطون الكيوسي. تميزت المدرسة في مجالي الخطابة والتربية. بعدهما جاء كريتولاووس الفازيلي، الذي دافع عن نظرية أرسطو في قدم العالم، لكنه خالفه في بعض المسائل المتعلقة بالنفس.

لاحقًا، ساهم أندرونيقوس الرودسي في جمع مؤلفات أرسطو ونشرها بالشكل المعروف اليوم، وشرح نظرية "المقولات" لأرسطو. في أوروبا، واصل مفكرو المدرسة المشائية دراسة الميتافيزيقا، الطبيعة، والأخلاق الأرسطية حتى القرون الميلادية الأولى.

في العالم الإسلامي، ظهرت المدرسة المشائية العربية بعد القرن الثامن الميلادي، وأسهمت في نقل تراث أرسطو إلى أوروبا. هذا التراث أدى إلى ظهور المدرسة المشائية اللاتينية، بفضل الترجمات العربية واليونانية التي حافظت على الفلسفة الأرسطية وأعادت إحيائها في العصور الوسطى.

تأثير المشائية في الفلسفة الإسلامية

تُعد المشائية جزءاً مهماً من التراث الفلسفي، حيث لعبت دوراً في تطوير الفلسفة في العصور اللاحقة، بدءاً من العصور الوسطى وحتى عصر النهضة. وقد تأثرت المدرسة المشائية بشكل كبير بالفلاسفة المسلمين الذين أعادوا إحياء التراث الأرسطي، مثل الفارابي وابن سينا، مما ساهم في نقل أفكار أرسطو إلى العالم الإسلامي وأوروبا.

أولًا: أبو إسحق يعقوب الكندي (184-266هـ/800-879م)

كان أبو إسحق يعقوب الكندي (184-266هـ/800-879م) أول علم من أعلام المشائية العربية. اهتم بقضايا المنطق والمعرفة من خلال شروحه على مؤلفات أرسطو. بعده جاء أبو النصر الفارابي (257-339هـ/870-950م)، الذي كان رياضيًا وطبيبًا وفيلسوفًا.

ثانيًا: الفارابي (260-339هـ/874-950م)

اشتهر الفارابي بكونه إمام مناطقة عصره، حتى لُقّب بـ"المعلم الثاني" بعد أرسطو. كان أول من شرح مؤلفات أرسطو الفلسفية والطبيعية بالعربية. من أشهر كتبه "الجمع بين رأي الحكيمين" و"المدينة الفاضلة" و"إحصاء العلوم".

ثالثًا: ابن سينا (370-428هـ/980-1037م)

بعد الفارابي، برز ابن سينا (370-429هـ/980-1037م)، المعروف بـ"الشيخ الرئيس". تألق في مجالي الطب والفلسفة، وله كتب مثل "القانون في الطب" و"الشفاء" و"النجاة". في المغرب العربي، كان ابن باجة من أعلام المشائية، ومن أشهر آثاره "تدبير المتوحد".

رابعًا: ابن رشد (520-595هـ/1126-1198م).

بلغ تأثير المدرسة المشائية ذروته مع ابن رشد (520-595هـ/1126-1198م)، الذي يعتبر أعظم شارحي أرسطو في العصور الوسطى. قال معاصروه: "لقد فسر أرسطو الطبيعة، أما ابن رشد فقد فسر أرسطو". لم يكتف ابن رشد بالشرح بل عدل وطور.

كان ابن رشد فيلسوفًا وفقهيا وطبيبًا، واشتهر بنظرية "الحقيقتين" أو "الحقيقة المزدوجة". من أهم مؤلفاته "تهافت التهافت"، و"تلخيص كتاب المنطق"، و"فصل المقال". دافع عن الفلسفة ضد الغزالي، وحاول التوفيق بين الفلسفة والدين.

اتجاهات الفلاسفة الإسلاميين.

انقسم الفلاسفة المسلمون إلى اتجاهين رئيسيين: 

  • الفلاسفة المنطقيون: مثل الكندي، الفارابي، ابن سينا، وابن رشد .

الفلاسفة المنطقيون اعتمدوا على الفلسفة الأرسطية وركزوا على استخدام العقل والمنطق لتفسير الكون والوجود، مما جعلهم يحاولون التوفيق بين العقل والنقل.

  • الفلاسفة الطبيعيون: مثل أبو بكر الرازي. حاولت المدرسة المشائية الإسلامية إيجاد توازن بين الدين والفلسفة.
على الجانب الآخر، الفلاسفة الطبيعيون مثل الرازي اتجهوا نحو تفسير الظواهر الطبيعية بعيدًا عن المفاهيم الدينية، حيث اعتقدوا أن العالم يمكن فهمه من خلال التجربة والملاحظة دون الحاجة إلى الإيمان بالمعجزات أو النصوص المقدسة.

الانتقال من المشرق الى المغرب

انتقلت المدرسة المشائية من المشرق إلى المغرب، وكان ابن باجة وابن رشد أبرز أعلامها هناك. رغم دفاع ابن رشد عن الفلسفة ضد هجمات الغزالي، لم يتمكن من إزالة التهمة عن المشائية. ظل الفكر الفلسفي مثيرًا للجدل في الأندلس.

كان ابن رشد الممثل الخالص للفكر المشائي، وأعظم شارحي أرسطو. رفض انحرافات الفلاسفة عن نصوص أرسطو وانتقد الفارابي وابن سينا. أثر ابن رشد بشكل كبير على فلاسفة العصور الوسطى في أوروبا، مثل ألبرت الكبير.

شروح ابن رشد لأرسطو كانت مصدرًا أساسيًا لفهم الفلسفة الأرسطية في أوروبا. استمر تأثيرها على مفكري النهضة الأوروبية في القرنين الخامس عشر والسادس عشر. بلغت المشائية ذروتها في أوروبا مع القديس توما الأكويني.

بدأت المدرسة المشائية في الانحسار بعد توما الأكويني، لكنها ظلت تؤثر بشكل كبير على الفكر الغربي. انتشرت في أوروبا بفضل الترجمات العربية واليونانية لأعمال ابن رشد وأرسطو، مما ساهم في إحياء الفلسفة الكلاسيكية.

google-playkhamsatmostaqltradent