أسباب تعدد أدوات المعرفة
يعطي أصحاب الشأن والاختصاص قيمة كبيرة للمعرفة بشتى مجالاتها وحقولها, لما للمعرفة من دور مهم وكبير, في التقدم الحضاري للأنسان, وتحديد الرؤية الكونية التي يتبناها, ولكن لا تحصل المعارف إلا بأدواتها, وهذا هو موضوع مقالنا لهذا اليوم, أدوات المعرفة, التي تمثل قنوات تمد الانسان بالمعارف, علمًا أن هذا الموضوع من مسائل المبحث الثاني من مباحث الفلسفة الرئيسية, إلا وهو مبحث المعرفة.
أدوات المعرفة |
أدوات المعرفة التي تمد ألانسان بالمعارف, تختلف عن بعضها البعض بالماهية والزاوية التي تكشفها من الواقع, مما ييتطلب دراسة عميقة لأدوات المعرفة وبيان حجج كل منها, ومدى المساحة التي تستطيع أن تسلط عليها الضوء من الواقع, ليتسنى لنا أستعمال كل واحدة من أدوات المعرفة في مجالها وحقلها المعرفي المخصص لها.
لرب سائل يسأل لما ادوات المعرفة أنواع ومتعددة, بدلًا من كونها نوع واحد وأداة واحده, والجواب : أن من نعم الله علينا, أن أنعم علينا بأدوات معرفة متعددة, وذلك لتتناسب مع طبيعة الواقع نفسه المعقدة والمتعددة الجوانب, فهناك جانب حسي من الواقع, وبالتالي يمكن التعرف عليه من الحواس, بينما هناك جانب يتطلب لأدراكه التفكير العقلي والتأمل الفلسفي.
أنواع أدوات المعرفة
أولًا : الحس
الحس, الاداة الاولى من أدوات المعرفة, ينقسم الحس الانساني الى نوعين : الحس الظاهري, والحس الباطني الذي يطلق عليه (الوجدان), وكلامنا في المقال هذا يخص النوع الاول (الحس الظاهري).
- البصر : القدرة على رؤية الأشياء من خلال العينين.
- السمع : القدرة على سماع الأصوات من خلال الأذنين.
- اللمس : القدرة على الشعور بالأشياء من خلال الجلد، خاصّةً في أطراف الأصابع.
- الشم : القدرة على تمييز الروائح من خلال الأنف.
- التذوق : القدرة على تذوق الأطعمة والمشروبات من خلال اللسان.
- هذه الحواس الخمس تستطيع أن تدرك الكيفيات المادية (الكيف المحسوس) .
- لا تستطيع أدراك الاشياء التي لا كيفيات مادية لها, مثل الكيفيات النفسانية كالفرح والحزن والكيفيات القلب كالحب والكره .
- كما أن هذه الحواس تختلف عن بعضها البعض بالرتبة والشرف.
- الادراك اللمسي أدناها, لأنه يحتاج للأتصال والاحتكاك بالمحسوس وعمله متوقف على هذا .
- حاستي الشم والذوق تعتبر أرفع مرتبة من الادراك اللمسي, بسبب أن أدراك هاتين الحاستين أكثر وأدق تفصيلًا وتميزًا, كما أنهما لا يحتاجان للأتصال المباشر مع المحسوس, والشم نفسه أرفع مرتبة من الذوق, لقدرته على أدراك المحسوس من مسافة أبعد من الذي يتطلبه الذوق .
- البصر والسمع, فهما أعلى رتبة من البقية, لأنهما أكثر أدراكًا للأشياء من بقية الحواس, ومن مسافة أبعد منهما جميعًا, ويحتاج اليهما الانسان دائمًا, ولشدة الحاجة إليهم, فهما أخر ما يفقده الانسان عند النوم أو الموت .
- الاتجاة الاول : يرى هذا الاتجاة إنه لا قيمة للحواس .
- الاتجاة الثاني : ويمثله الاتجاة الحسي المادي, حيث يدعي هذا الاتجاه, بأن للحس قيمة علمية معرفية, ولا قدرة لها على أكتشاف حقائق الاشياء, مثلُا تستطيع الحواس معرفة لون النار وحرارتها, ولكن لا تستطيع الحواس معرفة حقيقة النار وماهيتها .
- الاتجاة الثالث: ويمثله أصحاب الاتجاة العقلي, حيث يرى أصحاب هذه الاتجاة, أن الحس ناقل أمين, حيث يقوم الحس بنقل العوارض المادية المحسوسة التي تعترضه دون أن يحدث فيها أي تغير, تاركًا التصديق والحكم عليها للعقل .
ثانيًا : التجربة
- تكرار التجربة : من المهم تكرار التجربة نفسها وعدة مرات, للتوصل الى الاثر الحقيقي الذي يحدثه المؤثر نفسه في كل مرة, للربط بين الاثر والمؤثر .
- أختبار جميع الظروف المختلفة المتاحة : ومن المهم أيضًا في التجربة, أختبار جميع الظروف, حيث يفيدنا هذا في أستبعاد أي عوامل خارجية ممكن أن تؤثر على النتيجة, والتأكد من أن السبب الذي ندرسه هو العامل الحقيقي للنتيجة .
- أستبعاد العوامل العارضة : فهناك عوامل عارضه قد تؤدي الى نفس النتيجة, ولكنها لا ترتبط بالمؤثربالرغم من إنها تؤدي الى نفس نتيجة الاثر .
- القانون العام : بعد التأكد من الارتباط الحقيقي والدائم أو شبه الدائم, بين الاثر والمؤثر الذي هو موضوع دراستنا, يمكننا أستنتاج قاعدة عامة من التجربة .
- التحليل العقلي : وفي هذه المرحلة يتم تحليل نتائج التجربة .
ثالثًا : العقل
- العقل العرفي : هو مصطلح يشير إلى نوع من التفكير الذي يعتمد على العادات والتقاليد والمعايير الاجتماعية المقبولة في مجتمع معين. يمكن اعتباره نوعًا من العقل الذي يتبنى القواعد السائدة والأعراف الاجتماعية دون التشكيك فيها أو البحث عن تفسيرات أعمق لها.
- العقل الفلسفي : ويقصد به الجوهر المجرد ذاتًا وفعلًا .
- يشير إلى العقل كما يُفهم في الفلسفة، وليس فقط كمجرد أداة للتفكير أو معالجة المعلومات. بل يُعتبر كيانًا أكثر تعقيدًا وقدرة على إدراك المفاهيم المجردة والتفكير في الأمور التي تتجاوز الحواس والمادة.
- الجوهر المجرد ذاتًا:يُفهم العقل الفلسفي هنا كجوهر، بمعنى أنه كيان مستقل، ليس مادياً أو ملموساً، ولا يعتمد على شيء آخر في وجوده. فهو "مجرد" من أي مادة أو شكل فيزيائي، ويُعتبر كيانًا قائمًا بذاته.
- الجوهر المجرد فعلاً:يشير إلى أن هذا العقل ليس فقط موجودًا كفكرة أو كيان نظري، بل هو قادر على الفعل والتأثير بشكل مستقل عن المادة. بمعنى آخر، العقل الفلسفي له قدرة على التفكير، التحليل، والإدراك بشكل مستقل عن الجسد المادي.
العبارة تعني أن العقل الفلسفي يُفهم على أنه جوهر مستقل بذاته، غير مادي (مجرد)، وقادر على الفعل والتأثير في العالم وفي الذات بشكل مستقل. يُعتبر العقل في هذه الرؤية كيانًا أساسيًا وفريدًا يمكنه إدراك الحقائق المجردة والتفكير الفلسفي العميق دون أن يكون مقيدًا بالعالم المادي.
- العقل التراثي : مصطلح يشير الى نوعية التفكير التي تستند الى التراث الثقافي والديني الموروث والمنتقل عبر الاجيال, حيث يرى أصحاب هذا الاتجاة الفكري, أن التراث هو مصدر القيم والحكمة والمعرفة, وبالتالي يجب المحافظة على هذا الموروث .
- العقل المعرفي : قوة النفس التي بها تدرك المعاني الكلية, وآلته الدماغ. وهو أحد أدوات المعرفة التي بها حصل التعقل, والذي يمثل المرتبة العليا من مراتب الادراك, وراء الحس والخيال والوهم. وبهذه القوة تميز الانسان عن الحيوان .
- عقل نظري : هو الذي يدرك القضايا النظرية الكلية والجزئية, الكلية يدركها بذاته, والجزئية يدركها بمعونة آلاته, وأن العقل النظري ينقسم بدورة الى عقل بسيط (الفطرة-المدرك للقضايا البديهية) وعقل مركب(العقل المدرسي-القادر على الاستدلال المركب وهو الخاص بالعلماء ) .
- عقل عملي : أما العقل العملي فقد أختلف العلماء في مدركاته, والمشهور بين العلماء إنها جزئية عملية, مثل هذا الفعل حسن, أو هذا الفعل قبيح .
فالإنسان العاقل هو الذي يجري وفق مقتضيات العقل العملي, المنفعل عن العقل النظري وأحكامة الكلية, لا المنفعل عن القوى الحيوانية البدنية
رابعًأ : القلب
- صيقليتها، وهي تمثل, استعدادها وشأنيتها لعكس النور.
- أن تكون صافية لا تشوبها كدورة تحجب مصدر النور، وهو يمثل رفع الموانع عن عكسها للنور.
- محاذاتها لمنشأ النور وتوجهها نحوه، وهو بمثابة الشرط لذلك.
خامسًا : الوحي
- الوحي في اللغة : الإعلام الخفي .
- في القران : جاء بعدة معانٍ
- بمعنى الالهام الغريزي : كما في قوله تعالى ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ) .
- الإلهام بإلقاء ما يبعث على الفعل والترك في قلب الإنسان، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) ، وهذا المعنى عام يمكن أن يحصل لكل إنسان.
- ومن معاني الوحي المعنى المختص بالأنبياء ، وهو عبارة عن قناة إلهية سماوية خاصة، مصدرها المبدأ الأول, ومتعلقها الإنسان الكامل المتمثل في الأنبياء .