يخضع كل تقسيم للفلسفة, لتعريف الفلسفة نفسه, وبما أن هناك تعاريف مختلفة للفلسفة, فهناك تصانيف مختلفة لأقسام الفلسفة أيضًا تبعًا لذلك, فبجانب كل تعريف للفلسفة, وضع تصنيف وتقسيم لعلومها أيضًا .
أقسام الفلسفة |
وسنستعرض في هذا المقال التصانيف المختلفة للفلسفة والآليات التي اتبعت لكل تقسيم. تعد الفلسفة من أكثر العلوم التي شهدت تصنيفات متعددة، وذلك بسبب طبيعتها الشاملة التي تجمع بين مختلف مجالات المعرفة. هذه التصنيفات تعكس تطور الفكر الفلسفي عبر العصور، بالإضافة إلى تنوع المدارس والمناهج الفلسفية.
أقسام الفلسفة عند أفلاطون
كان أول تقسيم نعرفه لأقسام الفلسفة هو تصنيف أفلاطون, صنف أفلاطون أقسام الفلسفة الى ثلاث علوم, وجاء تصنيفه لها حسب معالجتهَ هو لهذه العلوم لا بحسب الاسم .
- الأول الجدل : ويشمل في تصنيفه النظر في العلم الإنساني، وفي مسائل ما بعد الطبيعة، وهو البحث في المعقولات، وفي النظر في طبيعة وجود الأشياء.
- الثاني العلم الطبيعي : ويشمل علم الطبيعة، والفلسفة الطبيعية،وعلم النفس .
- الثالث : الأخلاق، ويعني بها أفلاطون ما نعنيه نحن اليوم، أي: أنها العلم الذي يبحث في السلوك الإنساني.
غير أن من الواضح أن تحديد أقسام الفلسفة على هذا النحو لا يجعل منها وحدة بالمعنى الكامل لهذه الكلمة، وإن كان الغرض منه الإشارة إلى أهم خصائصها .
أخذ الرواقيون والأبيقوريون بتصنيف أفلاطون لأقسام الفلسفة, فازداد أثر ذلك التصنيف في التفكير الفلسفي الذي تلاه، وظل ذلك الأثر متحكمًا في الفلسفة حتى القرون الوسطى وما بعدها .
أقسام الفلسفة عند أرسطو
أن السبب في أنتشار تصنيف أفلاطون يرجع إلى عامل آخر، وهو أنه لم يصل إلينا من أرسطو تصنيف دقيق لعلوم الفلسفة؛ نعم, يُنسب إليه عادة تقسيم الفلسفة إلى نظرية وعملية وشعورية على أساس عبارة أثرت عنه، ولكننا قد أشرنا إلى أن تعريف الفلسفة الذي وضعه أرسطو وطبقه كان أضيق من ذلك بكثير، وحيث إنه ليس في تقسيمه لمذهبه ما يدل على هذا التصنيف الثلاثي.
وإن من المحتمل أن الكلمة (Dianoia)، (الواردة في عبارته)، يجب ألا تترجم بكلمة فلسفة، ولكنا من ناحية أخرى نجد أرسطو قد استعمل كلمة الفلسفة النظرية للدلالة على علوم الرياضة والطبيعة والإلهيات, مما يحملنا بالضرورة على افتراض أنه قصد بها شيئًا متممًا ومقابلًا للفلسفة العملية، ومهما يكن من الأمر، فإنَّ من الواضح أن تعريفات أرسطو للفلسفة لم يكن لها أثر كبير في التفكير الفلسفي من بعده .
أقسام الفلسفة عند فرنسيس بيكون
تصنيف العلوم عند فرانسيس بيكون، كما ورد في كتابه De dignitate et augmentis Scientiarum، يُعَدُّ خطوة مهمة في إعادة تنظيم المعرفة خلال ابتداء العصر الحديث. بيكون اتخذ منهجًا جديدًا في تصنيف العلوم، حيث قسّم القوى العقلية إلى ثلاث: الذاكرة، المتخيلة، والمفكرة أو العاقلة.
- الذاكرة: وهي القوة التي تعتمد على التخزين واسترجاع المعلومات السابقة، ومن خلالها يحصل الإنسان على علم التاريخ.
- المتخيلة: وهي القوة التي تعتمد على الإبداع والتصور، ومن خلالها يُنتج الإنسان الشعر والفن.
- المفكرة أو العاقلة: وهي القوة التي تعتمد على التفكير المنطقي والتحليل، ومن خلالها يحصل الإنسان على الفلسفة.
بيكون أرسى قاعدة مهمة تتمثل في أن البحث السيكولوجي يجب أن يكون أساسًا لكل الفلسفة، بل ولكل العلوم. هذه الفكرة تمثل تغيرًا جذريًا في التصورات التقليدية، حيث أن فهم العمليات العقلية والقدرات النفسية أصبح جزءًا لا يتجزأ من العلوم.
تُعتبر هذه الخطوة محاولة لجعل الفلسفة أكثر عملية وقائمة على الملاحظة والتجربة، بما يتناسب مع توجهات النهضة العلمية.
ثم قسم الفلسفة تقسيمًا آخر بأعتبار موضوعاتها ؛ لأن موضوع البحث الفلسفي إما الله، أو الطبيعة، أو الإنسان، فهي إذن ثلاثة أقسام:
- الفلسفة الإلهية
- الفلسفة الطبيعية
- الفلسفة الإنسانية (الأنثروبولوجيا)
ومما يدل على مدى تأثير تصنيف بيكون للعلوم الفلسفية أن دلامبير (d'Lambert) قد أخذ به في جملته في البحث التمهيدي الذي جعله مقدمة لدائرة المعارف المشهورة سنة (١٧٥١م).
أقسام الفلسفة عند كرستيان وولف
كرستيان وولف قدم تصنيفًا جديدًا للعلوم الفلسفية يعتمد على أسس سيكولوجية. وولف يميز بين قوتين أساسيتين:
- القوة الإدراكية.
- القوة النزوعية.
ثم يقسم الفلسفة إلى قسمين رئيسيين: الفلسفة النظرية (ما بعد الطبيعة) والفلسفة العملية، ولكنه يعود ويعيد تصنيف الفلسفة وفقًا للموضوعات المدروسة.
الفلسفة النظرية تتناول الله، العقل، والعالم. وتنقسم إلى ثلاثة علوم رئيسية:
- العلم الإلهي.
- علم النفس.
- العلم الطبيعي (الكسمولوجيا).
👈هذه العلوم تستند إلى علم الأنطولوجيا، الذي يدرس الوجود والمقولات التي يستخدمها العقل في التفكير.
الفلسفة العملية تهتم بالإنسان في مواقفه المختلفة، وتنقسم إلى:
- علم الأخلاق: يبحث في الإنسان كفرد.
- علم الاقتصاد: يدرس الإنسان كعضو في الأسرة.
- علم السياسة: يركز على الإنسان كفرد في المجتمع أو الأمة.
👈وتستند هذه العلوم إلى ما يسمى الفلسفة العملية العامة.
- يعتبر وولف أن علم المنطق هو الأساس لكل من الفلسفة النظرية والعملية، حيث يساعد في تنظيم الأفكار بشكل صوري وبحثي.
- ولف أدخل تصنيفًا آخر للعلوم بناءً على منهج البحث المستخدم في كل علم.
- يفضل المنهج الرياضي القياسي الذي يعتمد على استنتاج النتائج الجزئية من المقدمات العامة، ولكنه يمتدح أيضًا المنهج الاستقرائي الذي يستخرج النتائج العامة من التفاصيل الجزئية.
- ولف يقارن بين العلوم النظرية والعلوم التجريبية. فعلى سبيل المثال، يتحدث عن علم اللاهوت التجريبي وعلم اللاهوت النظري، وأيضًا عن علم الطبيعة التجريبي وعلم الطبيعة النظري، وكذلك علم النفس التجريبي وعلم النفس النظري.
- رغم أن موضوعات العلوم التجريبية والنظرية متشابهة، إلا أن الفارق يكمن في المنهج المستخدم في معالجة هذه الموضوعات. هذا التصنيف يلمّح إلى التمييز بين الفلسفة والعلوم الجزئية، وهو تمييز ظهر بوضوح مع وولف.
- في الأصل، كان يُقصد بـ"الكسمولوجيا" أو علم العالم مجموعة العلوم الطبيعية. لكن مع مرور الوقت، استخدم الفلاسفة مصطلحات مختلفة للتعبير عن الفرق بين البحث الفلسفي في الطبيعة والعلم الطبيعي.
أقسام الفلسفة عند هيجل
أهم تصنيف للعلوم الفلسفية في العصر الحديث هو تصنيف هيغل، وهو يفرق بين العلم الذي يبحث في مطلق المعرفة ونشأتها وبين أي شرح خاص لبعض مسائلها.
يسمى الأول علم ظواهر العقل (Phenomenology of the Mind). ثم يشرح هيغل بعد ذلك مراحل التطور التاريخي التي يجتازها العقل في كسبه للمعرفة، حتى يصل إلى آخرها وهي مرحلة العلم المطلق. هذه المراحل تمثل نقاط انتقال حاسمة في تطور الفهم.
أما المنهج المتبع فيها، أي طريقة الانتقال من إحدى هذه المراحل إلى الأخرى، فهو منهج منطقي وليس سيكولوجي. أو كما يسميه هيغل، هو طريقة الجدل التي يستخدمها بصورة منتظمة ودقيقة.
أساس هذه الطريقة الهيغلية هو أن المراحل العليا للمعرفة لا تحل محل المراحل الدنيا فحسب، بل تأخذ منها لنفسها ما هو حق فيها. بذلك، تحتوي المرحلة العليا، وهي مرحلة العلم المطلق، في ذاتها كل ما هو صحيح في المراحل الدنيا التي تسبقها.
يعرف هيغل المنطق بأنه العلم الذي يبحث فيما يحتوي عليه "العلم المطلق". أما منهج البحث فيه فهو الطريقة الجدلية نفسها، حيث يبدأ بالفكرة العامة المجردة (فكرة الوجود) ويصعد تدريجياً إلى الفكرة المطلقة، التي تعتبر أغزر الأفكار وأعمقها معنى.
ويتفرع عن المنطق علمان فلسفيان: فلسفة الطبيعة وفلسفة العقل.
أقسام الفلسفة عند فنت
وإننا لنجد تصنيفاً مماثلاً لتصنيف هيغل عند "فنت"، بالرغم من الاختلاف في وجهة نظره العامة. يرى فنت أن الواجب علينا أن نبدأ أولاً بالبحث في أصل المعرفة كلها من ناحية مادتها، وهذا هو علم الابستمولوجيا. ثم ندرس المعرفة ثانياً من حيث المبادئ التي تقوم عليها المعرفة وتستند إليها بطريقة منظمة، وهذا ما يسميه البحث في المبادئ أو نظرية المبادئ.
ينقسم هذا البحث إلى قسمين: بحث عام في المبادئ، وهو "ما بعد الطبيعة"، وبحث خاص يندرج تحته فلسفة الطبيعة وفلسفة العقل.
من الواضح أن هذا التصنيف قريب جداً في جوهره من تصنيف هيغل، ولكن اختلاف الفيلسوفين في المنهج والمعنى الخاص الذي يعطيه فنت لكلمة "نظرية المبادئ" يكفيان للتمييز بين التصنيفين.
هل يمكن تصنيف أقسام للفلسفة
لنتذكر الآن التعريف الذي أرتضيناه للفلسفة وهو أنها « البحث في المبادئ » ، ولنسأل أنفسنا السؤال الآتى : بأى معنى من المعانى وعلى أى وجه يمكن أن يقسم هذا العلم إلى أقسام مختلفة ؟
ويجب أن تعرف كلمة «المبادئ » أولًا تعريفاً يسمح بالقسمة لكي تكون قسمة العلم الذي يبحث فيها ممكنة أيضاً. ويظهر أن تعريفاً من هذا النوع - أي تعريفاً يفرق بين أنواع المبادئ - متضمن فى تقسيم «فنت» لنظرية المبادئ إلى خاصة وعامة.
ولكن يظهر أن تصنيف العلوم الفلسفية تصنيفاً جامعاً منظما سيظل متعذراً ما دام لا يوجد للفلسفة تعريف عام واحد مسلم به عند الجميع . بل إنه ليس من العسير علينا أن نبين أن كل تصنيف من التصنيفات السابقة قاصر عن تحقيق الغاية المقصودة منه.
علينا أن نرفض فكرة وجود شيء يسمى "فلسفة العقل". إذا كان المقصود بـ"فلسفة العقل" هو دراسة العلوم العقلية مثل فقه اللغة، علم القانون، والتاريخ، فإن هذا التصور يُخرج منها علومًا أخرى مثل علم الأخلاق وعلم الجمال.
القول بأن علم النفس هو الأساس لكل العلوم العقلية لا يضعه في مكانة خاصة ضمن الفلسفة العامة. حتى وإن تجاهلنا هذه النقطة، لا يمكن الوصول إلى تصنيف علمي دقيق يستند إلى تعريف واحد للفلسفة يتفق عليه جميع الفلاسفة.
لنلقي نظرة على التاريخ: هناك العديد من العلوم التي كانت في الماضي تعد جزءًا من الفلسفة، ولكن مع مرور الزمن انفصلت عنها. على سبيل المثال، في الماضي كانت كلمة "فلسفة" تحمل معاني متعددة، وهذا يتضح في تصنيفات مختلفة للفلاسفة.
كرستيان وولف يعتبر علم النفس التجريبي وعلم الطبيعة جزءًا من الفلسفة، في حين أن فنت يراهما علومًا مستقلة. اليوم، علم الطبيعة قد استقل عن الفلسفة منذ زمن وأصبح من العلوم الجزئية.
ديكارت كان يعتبر أن الطب والميكانيكا جزءان من الفلسفة. أما نيوتن، فقد سمى كتابه العظيم "المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية"، ولكنه لم يقصد كتابة فلسفة الطبيعة كما نفهمها اليوم.
أوغست كونت وهربرت سبنسر اعتبرا علم الاجتماع جزءًا من الفلسفة، محاولين سد الفراغ الذي تركه بيكون في تصنيف العلوم. ومع مرور الوقت، انفصل علم الاجتماع عن الفلسفة وأصبح علمًا مستقلًا.
لو كانت الفلسفة علمًا واحدًا ذا موضوع ثابت، لما وجدنا هذا الاختلاف الكبير بين الفلاسفة حول أقسامها وفروعها.
الاستنتاجات من دراسة أقسام الفلسفة
- عند دراسة التصنيفات المختلفة لأقسام الفلسفة، نصل إلى نفس النتيجة التي توصلنا إليها عند النظر في تعريفات الفلسفة. هذا يعني أن هناك مشكلة أساسية تواجهنا في الحالتين، وهو ما يدفعنا إلى البحث عن تعريف جديد يعبر بصدق عن مادة وطبيعة الفلسفة.
- من الضروري اعتماد تصنيف واضح لأقسام الفلسفة نستند إليه في دراسة العلوم الفلسفية التي لا خلاف حول طبيعتها الفلسفية.
سنقسم الفلسفة إلى نوعين رئيسيين:
تندرج تحت العلوم الفلسفية العامة عدة مواضيع رئيسية، منها:
- ما بعد الطبيعة.
- المنطق.
- نظرية المعرفة.
أما العلوم الفلسفية الخاصة فتشمل:
- فلسفة الطبيعة.
- علم النفس.
- علم الأخلاق.
- فلسفة القانون.
- علم الجمال.
- فلسفة الأديان.
- فلسفة التاريخ.