ما معنى تعريف الفلسفة
تعريف أى شيء معناه تحديد العلاقة بين بعض الرموز ( وهي عادة ألفاظ مكتوبة أو متلفظ بها ) ، والشيء الذى تدل عليه هذه الرموز . أو بعبارة أخرى هو شرح معنى لفظ من الألفاظ . ولذلك كان من الواجب أن يبدأ البحث في تعريف الفلسفة بالإجابة عن السؤال الآتى وهو : « ما معنى كلمة فلسفة ؟ ».
تعريف-الفلسفة |
وقد تشعبت الآراء واختلفت فى معنى هذه الكلمة ، ولذا كان أول واجب علينا أن نجمع التعريفات الهامة لتعريف الفلسفة ونضعها موضع البحث : أعنى التعريفات التي سلم بصحتها الجمهور الأعظم من العلماء .
ولن نستطيع أن نقرر هنا إلى أى مدى يمكن أن نؤلف من صيغ التعريفات المختلفة, صيغة واحدة تصدق على الماضى والحاضر على السواء -, أما الآن فسنقتصر على ذكر التعريفات التي قال بها الفلاسفة بالفعل, تاركين الكلام فيما ينبغى أن يكون عليه التعريف الكامل, الذي يمكن أن نصل إليه في نهاية الأمر .
أصبحنا لا نثق اليوم إلا قليلا فى قول « هرقليدس بُنتقوس » أن فيثاغورس كان أول من استعمل كلمة ( الفلسفة) بمعنى علم من العلوم, بل الذي يغلب على الظن هو أن هيرودوت كان أول من استعمل كلمة ( يتفلسف ) بمعنی اصطلاحى ، فإنه يحدثنا أن كريزوس قال لصولون إنه سمع أنه ( أي صولون ) قد جاب كثيراً من الأقطار- يتفلسف - وأن الذي دفعه إلى ذلك رغبته في المعرفة .
فالعبارة - رغبته في المعرفة- تبدو كأنها تعبير عن كلمة ( يتفلسف) أو مرادف لها . وكذلك يروى ثيوكيديديس مشيرا إلى هذا المعنى في رثاء بركليس البديع الذي رثى به الأثينيين, وقال فيه "نحن محبو الحكمة (نحن نتفلسف) من غير أن تكون فينا أنوثة" .
يقول شيشرون ( ان الفلسفة هي العلم بأفضل الأشياء والقدرة على الانتفاع به بكل وسيلة ممكنة ) .
تشير هذه الاستعمالات لكلمة فلسفة إلى وجود نوع من المعرفة يدفعنا إلى كشفه وتحصيله, عامل آخر غير الحاجة العملية ، وذلك العامل هو الرغبة الطبيعية في المعرفة ذاتها .
فلا شك أن غريزة المحافظة على الحياة أو دافعاً عمليا آخر من هذا القبيل ، هو الذي دفعنا إلى تحصيل المعرفة في أدوارها الأولى .
ولكن الغريب حقًا هو أن يوجد نوع من المعرفة يختلف عن النوع السابق, ويعنى الإنسان به بدافع الرغبة البحتة في المعرفة ذاتها, من غير أن يفيد هو أو الجماعة التي يعيش فيها فائدة مباشرة من نتائجه .
وهذا النوع هو الذي نطلق اليوم على جميع فروعه اسما واحداً هو « العلم » . فالعلم والفلسفة إذن يتفرعان عن أصل واحد وينبعان من مصدر واحد .
ولكن الفلسفة كان لها معنى أوسع من ذلك حتى عند القدماء ، فإن التفلسف ( أو التفكير الفلسفى ) كان في أول أمره - أي قبل أن يكون للفلسفة نتائج عملية - مقصوداً لذاته . ولما اتسعت دائرة المعرفة وأصبحت أفكار الأجيال السابقة موضوع نظر التاريخ ، دخل تحت اسم الفلسفة تدريجا طائفة خاصة من المعلومات التي حصلها الإنسان : أعنى بذلك نتائج ذلك التفكير الفلسفي .
تعريف الفلسفة عند القدماء
- سقراط
- أفلاطون
أما تلميذه أفلاطون فينظر إلى الفلسفة من ناحية موضوعها : أي أنه ينظر في العناصر التي تتألف منها الفلسفة ، فهو يتكلم في طاطيطوس Theaetetus مثلا (عن الهندسة أو أي فلسفة أخرى) ؛ ويعرف الفلسفة في أوتيديموس Euthydemus تعريفا عامًا بأنها كسب أو تحصيل المعرفة .
زد على هذا أن لأفلاطون عبارات يرد فيها تعريف الفيلسوف بأنه الشخص الذي غايته الوصول إلى معرفة الأمور الأزلية ، أو معرفة حقائق الأشياء، وهذا تعريف دقيق للفلسفة من ناحية موضوعها .
- أرسطو
- الرواقيين والأبيقوريين
تغير مفهوم الفلسفة بعد ذلك على أيدى الرواقيين والأبيقوريين ، فإنهم راعوا قيمة الناحية العملية لنتائج التفكير الفلسفي ، وقيمة النظريات العامة التي تشرح الغاية من حياة الإنسان والأفعال الإنسانية ، إلى جانب المعنى العلمى الدقيق للفلسفة ، أو بالأحرى ، عوضا عن ذلك المعنى .
فها هو شيشرون يخاطب الفلسفة بقوله : « أيتها الفلسفة ! أنت المديرة لحياتنا : أنت صديق الفضيلة وعدو الرذيلة ، ماذا نكون وماذا تكون حياة الإنسان لولاك ؟» . هكذا حولت النزعة الفردية في تفكير هاتين المدرستين مجرى الفلسفة فجعلتا الغاية منها طلب أمر عملي هو السعادة ، في حين أن بعض الدراسات الخاصة مثل الرياضة والفلك ابتدأت تتخذ لنفسها صبغة العلوم المستقلة ( وبذلك تنفصل عن الفلسفة ) .
وقد يكون من الصعب جدا أن نستخلص من كل التعريفات التي أسلفنا ذكرها للفلسفة تعريفًا عامًا يمكن صدقه عليها جميعها على السواء .
ولكنا من غير أن نلتجى إلى مثل هذا العمل يجدر بنا أن نذكر القارئ بأن هذه التعريفات كلها تتفق في أمر واحد : وهو أن من أهم مميزات الفلسفة الرغبة الطبيعية في طلب المعرفة لذاتها .
تعريف الفلسفة في القرون الوسطى والحديثة
وهذه فكرة قد ظهرت في القرون الوسطى أيضاً ، حيث أطلق اسم الفلسفة على كل علم يصل إليه العقل بطريق النظر الفكري في مقابلة العلم الإلهى الذى يصل إليه الإنسان بطريق الوحى. وهكذا صار معنى أو تعريف الفلسفة العلم العقلي المنظم .
تظهر هذه التفرقة كذلك فى تعريف الفلسفة بأنها العلم الدنيوى (Scienta Saecularis) أو العلم بالأمور الحادثة ، فإنه كان من الطبيعي على الذين آمنوا بالفلسفة ألا يسلموا بغير مسائل العالم موضوعًا ينفذ إليه العقل البشرى بنور فكره .
بل إن النهضة الحديثة في الفلسفة لم تغير من هذه الفكرة تغييراً ظاهراً . وكل ما هنالك من فرق هو أن العلوم المتصلة بالسكون ( أو العالم الطبيعي ) قد زادت قيمتها في العصر الحديث زيادة مطردة ، وأن العلماء أصبحوا أميل إلى اعتبار العقل وحده الأداة التي يكتسب بها العلم الحقيقي .
وإنك لتجد هذه النزعة واضحة فى كتابات ديكارت الملقب بأبي الفلسفة الحديثة ( ١٥٩٦ - ١٦٥٠ ) ؛ فإنه يرى أن بعض أنواع العلم لا يمكن معرفته إلا عن طريق الفلسفة ، ولا يقوم إلا على أساس فلسفي . وهنا تفهم الفلسفة مرة أخرى - كما فهمت في العصر القديم : على أن المراد بها العلم .
أما في إنجلترا فقد ظلت التفرقة بين الحكمة الدنيوية وعلم اللاهوت زمناً أطول ، يشهد بذلك تصفيف فرانسيس بيكون ( ١٥٦١ - ١٦٢٦ ) للعلوم على أساس النوى العقلية ، واعتباره الفلسفة علماً وليد العقل ، أو القوة العاقلة في الإنسان ، كما يشهد به تعريف توماس هيز ( ١٥٨٨ - ١٦٧٩ ) للفلسفة بأنها العلم بالروابط العملية بين الأشياء .
فالفكرة الغالبة في هذين التعريفين هي فكرة القرون الوسطى . ومما يؤيد هذه الدعوى أيضاً أن الجامعات الإنجليزية قد حافظت أكثر من غيرها على نظم العصر المدرسي ، وأن كلمة فلسفي -Philosophic- الإنجليزية لا تزال إلى اليوم تذكرنا بالمعنى القديم الواسع الذي كان لها وإننا نلاحظ في هذا المقام أمرين هما من خصائص الفلسفة الإنجليزية .
- الأول : التمييز الدقيق الغريب بين العلم والعقيدة .
- الثاني : خلو الفلسفة الإنجليزية من نظريات ميتافيزيقية بحتة بالمعنى الدقيق لكلمة ( ميتافيزيقا ) . فالفلسفة عند الإنجليز منظور إليها من حيث هي أداة ينتفع بها في البحث في العلوم الجزئية : أى أنها علمية صرفة ، لأنهم وضعوها على أساس متين من التجربة ، وجعلوا مهمتها النظر فى المبادئ الكلية العامة .
الغاية من الفلسفة عند الفلاسفة الاوربيين
أما الغاية الأساسية من الفلسفة عند أهل القارة الأوروبية ، فهى الوصول إلى توحيد معقول بين العلم والعقيدة عن طريق ميتافيزيقا قائمة على منهج علمى وأسس علمية .
فديكارت مثلا يرى أن الغرض الأول من الفلسفة تحصيل العلم التام بكل ما يمكن العلم به ؛ وأن هذا يقتضى الكشف عن مبدأ أول أعلى يمكن أن يستنتج منه - بطريقة قياسية - كل حقيقة من حقائق العلم.
ويعرف كرستيان وولف ( ١٦٧٩ ١٧٥٤ ) الفلسفة بأنها العلم بالممكن من ما يمكن تحققه بالفعل . وهو يرى كذلك أن مهمة الفلسفة هي الوصول إلى أعم المبادئ التي يمكن استنتاج حقائق العلم منها .
ولا يختلف كنت ( ١٧٢٤ - ١٨٠٤ ) عن ذلك كثيراً في تعريفه الفلسفة بأنها المعرفة النظرية المستمدة من المعاني الذهنية concepts, ولا فخته ( ١٧٦٢ - ١٨١٤ ) الذى يقول إن الفلسفة هي علم المعرفة, ولا هيجل ( ۱۷۷۰ - ۱۸۳۱ ) الذى يعرف الفلسفة بأنها البحث في المطلق .
بهذا التدرج السهل نصل إلى التعريف الشائع اليوم للفلسفة وهو أنها العلم بالمبادئ ، وهو تعريف أو برفح, الذي يتفق معه كثير من فلاسفة العصر الحديث ، إذ يميلون إلى قصر الفلسفة على مبحثى المعرفة والمنطق ، أو على الأقل اعتبارها المحور الذي تدور حوله الفلسفة بمعناها العلمى .
تعريف الفلسفة - تعريفات أخرى للفلسفة
هناك تعريفات أخرئ للفلسفة, حاول فيها أصحابها أن ينظروا إلى الفلسفة من ناحية صلتها بالعلوم . فإن نمو الحركة العلمية في العلوم الجزئية قد حمل بعض الفلاسفة في العصر الحديث على وضع الفلسفة في عداد هذه العلوم أو اعتبارها جزءا متممًا لها .
وبذلك انعكست الصلة القديمة التي كانت تربط العلوم بالفلسفة ، فلم تعد الفلسفة الأساس الضرورى الذى تبنى عليه العلوم الجزئية نتائجها ، بل أصبحت العلوم نفسها الأساس الذي تبنى عليه الفلسفة نتائجها .
ويقرب هربارت ( ١٧٧٦ - ١٨٤١ ) ، من هذه الفكرة عند ما يعرف الفلسفة بأنها تحليل المعاني العقلية ، ومعنى تحليلها هنا تصنيفها وضبط مفهوماتها بنسبة بعضها إلى بعض . فالفلسفة في نظره ثلاثة أقسام المنطق وما بعد الطبيعة والفلسفة العملية أو علم الجمال ولكننا نجد - حتى على هذا الرأي - أن بعض المعاني معترف بأنه راجع فى أصله إلى التجربة .
ونجد هذه الفكرة نفسها – ولكن بصورة أوضح وأدق - في كلام ( فنت ) الذي يقول إن مهمة الفلسفة هي التوحيد بين جميع المعارف التي نكتسبها في العلوم الجزئية ، ووضعها في نظام واحد مترابط ، وكذلك فى كلام ( بولصن » الذي يعرف الفلسفة بأنها مجموع المعارف المنظمة تنظيما علميا .
شرح تعريف الفلسفة
لما كان يستوى في نظرنا - من حيث غرضنا المباشر - أن نأخذ أي تعريف من التعريفات العامة التي وضعت للفلسفة ، رأينا أن نأخذ بتعريف ( أوبرفج )، وسنحاول بوساطته شرح الصلة بين الفلسفة والدراسات العقلية الأخرى التي ترتبط بها .
- فإن الفلسفة من حيث هي البحث في المبادئ العامة
- ومن حيث إن الفلسفة علم من العلوم
وهنالك اعتراضات على تعريف الفلسفة السابق وهي :
أولًأ : أن الفلسفة لما كان لها دائما صبغة فردية : أي لما كانت دائم ثمرة لمجهود أفراد من الفلاسفة ، حق لنا أن نتردد في وصف أي فلسفة من الفلسفات بأنها علم من العلوم .
نحن لا نتكلم عن « علم طبيعة » هلمهولتز أو ماكسويل ، ولا عن «كيمياء » برزيليوس أوليبج ، ولا عن «تاريخ» رانك أو تين ، ولا عن « علم قانون » سافني أو فاختر.
ولو ورد اسم عالم من العلماء في واحد من هذه العلوم ، لما كان ذلك إلا لاتصاله بكشف علمي خاص أو نظرية علمية لم يسلم بها جمهور العلماء بعد ولا تزال تقترن باسمه ، وإليه وحده يرجع الأمر فيها .
أما الفلسفة فهى إلى حد كبير جدا من عمل الأفراد ، (نقول فلسفة أفلاطون وفلسفة أرسطوط اليس وفلسفة كنت أو هيجل أو اسبنوزا وهكذا) ، وإن كنا نجد فى بعض العلوم الفلسفية آراء شخصية تتجمع حول مبدا من المبادئ العامة المسلم بها عند جميع الفلاسفة .
ثانيًا : أن الفلسفة لا تبحث في «المبادئ » في كل علم من العلوم الداخلة تحتها : فالأخلاق مثلا مهمتها البحث العلمي في الحياة الخلقية وقوانينها ، وتحديد الشروط الواجب توافرها في كل عمل يصلح أن يكون موضوعا للحكم الخلقي وكذلك علم الجمال يبحث في اللذة الوجدانية وقوانينها .
وفي الختام ملاحظة : نقرأ أحيانا كلامًا عن ( مصدر التفكير الفلسفي ) حيث ينظرالمتكلم إلى الفلسفة بأعتبارها حركة وليدة لعامل خاص أو عاطفة معينة .
فأفلاطون يعتبر العجب ، وهربارت الشك أصلا للتفلسف . ولكن الرغبة في استطلاع وجود أى شيء أو معرفة حقيقته (وهي التي أشار إليها أفلاطون بأسم العجب) ، والشك في صحة بعض القضايا ، إنما هما وجدانان يحفزان على متابعة البحث في جميع فروع العلم على السواء .
أما نسبتهما إلى الفلسفة بوجه خاص فيشعر بوجود شيء فى موضوع الفلسفة ، من شأنه أن يحرك في نفس الفيلسوف هذين الوجدانين ( مع أن الأمر ليس كذلك ) . على أن هذا لا يقتضى أننا تفكر أن التوفيق في معالجة المشاكل الفلسفية يتطلب مقدرة خاصة أو موهبة معينة .
المصدر : كتاب المدخل الى الفلسفة / تأليف أُزفلد كُـونية "Oswald Kulpe" .