نظرية المعرفة
نظرية المعرفة هي المبحث الثاني من مباحث الفلسفة الرئيسية الثلاث الكبرى, بالإضافة الى المبحثين الآخرين وهما المبحث الأول مبحث الوجود والمبحث الثالث مبحث القيم .
ليبنتز-نظرية المعرفة |
في هذا المبحث الفلسفي عدة تساؤلات, منها هل المعرفة ممكنة أي أن المعرفة التي نمتلكها هل هي تمثل الحقيقة ام إنها لا تمثل الحقيقة, وبالتالي معرفة الحقيقة غير ممكن, التساؤل الثاني الذي تناقشه هذه النظرية, هو ما هي مصادر معرفتنا ؟
أي ما هي الأدوات المعرفية التي نملكها, والتي بواسطتها نستطيع أن نحصل على المعرفة, هل هي الحواس أم العقل أم كلاهما أي الحواس والعقل معًا, أم أن هناك شيء أخر للمعرفة كالحدس مثلًا أو الوجدان .
والتساؤل الثالث الذي تناقشهُ هذه النظرية هو ما هي طبيعة المعرفة, كل هذه الاسئلة تقع ضمن المبحث الثاني لمباحث الفلسفة أي مبحث المعرفة أو نظريه المعرفة, هذه هي الاسئله التي يحاول الفلاسفة في مبحث المعرفة الاجابه عنها .
أنظر لنفسك وتأمل كمية المعلومات والمعارف الموجودة في عقلك وذهنك, ثم أسأل نفسك وحاول الاجابة على السؤال التالي بتفكير عميق وتأمل, ما هو مصدر هذه المعلومات والمعارف الموجودة في عقلك ؟
أترك المقال جانبًا وأجل القراءة لحين الوصول بتفكيرك الحر الى أجابة عن هذا السؤال, ثم بعد ذلك عد وأكمل قراءة المقال, مهما كانت أجابتك أحتفظ بها في قلبك, حتى لو كانت أجابتك بشكل بسيط, لكنك أنت في أجابتك هذه قد مارست فعل التفلسف كأي فيلسوف أخر .
وهذا أهم ميزة من ميزات الفلسفة أو فوائدها, وهي دعوة للفكر الحر والمنطقي والعقلاني في الاجابة على الاسئلة الوجودية التي تعترض الانسان, فالفلسفة تدعو للتفكير أكثر مما هي عملية تلقين .
ولكن هنا في هذا المقال سنعرض الاراء الفلسفية, لأن الاطلاع على تاريخ الفلسفة ضروري ومهم, فالفلسفة ليست كبقية العلوم, فيجب فهم وتناول المشاكل الفلسفية وفق سياقها التاريخي .
والآن سنتعرف على أراء الفلاسفة في هذه الاسئله التي تخص نظرية المعرفة, في الوقت السابق والقريب لفيلسوفنا في هذا المقال وهو الفيلسوف ليبنتز, لان هذه الاراء ستكون مصدر لنظريتهِ فيما بعد في موضوع نظرية المعرفة .
نظرية المعرفة قبل ليبنتز
هل توصلت الى نتيجة عند محاولة أجابتك على السؤال, سؤال ماهو مصدر المعارف والمعلومات الموجودة في عقولنا, وكيف تكونت ؟
هناك توجهان متناقضان تمامًا في موضوع مصدر المعرفة الموجودة في عقل الانسان, ومن الجدير بالتذكير, أن هذا الموضوع ينتمي للمبحث الثاني من مباحث الفلسفة الرئيسية الثلاث أي مبحث نظرية المعرفة, وهذان التوجهان هما .
المذهب الحسي - جون لوك
كانت أجابة جون لوك الفيلسوف التجريبي الحسي والمفكر السياسي الانجليزي المولود عام 1632 هي الحواس, الحواس هي مصدر معارفنا, وله مقال مهم في هذا الامر, هو المقال الذي يتضمن موضوع الفهم الانساني .
حيث شرح لوك في هذا المقال نظريتهِ في موضوع وظائف العقل أو الذهن عندما يتعرف على العالم الخارجي , برأي لوك أن العقل البشري عاجز وقاصر عن أدراك ما هو فوق حدودهِ وأمكانياتهِ, ويقول لوك أذا سألك سائل : متى بدأت تفكر ؟ فيجب أن تكون الاجابة "عندما بدأ أحس" .
يرى جون لوك إن عقل الإنسان عند ولادتهِ عبارة عن صفحة بيضاء فارغة من المعلومات، ثم يبدأ الإنسان بأكتساب المعلومات عن طريق التجارب وما تدركهُ حواسه من أشياء فسوف تمتلئ هذه الصفحة بالمعلومات.
المذهب العقلي - ديكارت
كان المبدأ المسلم به قبل لوك هو أن العقل البشري قبل أن يكتسب المعارف من تجاربه في الحياة, فأنه (العقل) يشتمل جزء من ألافكار وهي أفكار فطرية موروثة لا مكتسبة من التجارب في الحياة, بل هي أفكار فطرية لدى الانسان قبل بدء تجارب حياتة, ثم يكتسب الجزء الاخر من التجارب .
وكان ديكارت من أشد المتبنين والمدافعين عن صحة هذا التوجه, أما لوك فأنه أنتقد التسليم المطلق لهذا المبدأ ورسوخه لدرجه إنه أصبح خارج المناقشة والبحث والجدل .
يرئ ديكارت أن المعلومات الفطرية التي تولد مع الإنسان هي التي تكون أساس المعارف كلها، بمعنئ ان المعارف غير مكتسبة بالتجربة عن طريق الحواس، وإنما هي معجونة في صميم خلقة الإنسان حيث يولد الإنسان وهو مزود بهذه المعارف.
نظرية المعرفة عند ليبنتز
بما أن الفيلسوف ليبنتز من خصائص فلسفتهِ التآليف والتوفيق والانسجام بين الآراء المختلفة، فكانت نظريتهِ في المعرفة هي تجميع للرائين السابقين الحسي عند لوك و العقلي عند ديكارت والتوفيق بينهما .
فأنتج لنا نظرية خاصة به في المعرفة، يقول ليبنتز أن رأي المذهب العقلي في المعرفة أي رأي ديكارت بخصوص وجود معرفة فطرية في عقل الإنسان صحيح، ولكن هذه المعارف الموجودة في العقل الانساني هي موجودة بالقوة وليس بالفعل…
ما معنئ ذلك أي ما معنئ قول ليبنتز أن المعرفة الفطرية موجودة بالقوة وليس بالفعل ؟, وجود القوة يعني الميول و الرغبة و الاستعداد لأمتلاك الشي…
فهناك فرق بين وجود المعرفة ووجود الرغبة بالمعرفة.. فبحسب رأي ليبنتز أن الميول تجاه المعرفة و الرغبة فيها هو شي فطري وموروث عند الانسان وبالتالي أن المعرفة الفطرية موجودة وجود بالقوة عند الانسان وليس وجود بالفعل.
وبالتالي وافق ليبنتز رأي ديكارت بوجود الآراء الفطرية التي يزود بها الإنسان عند ولادته, ولكن ليبنتز قيدها بأنها مجرد ميول وأستعدادات لتقبل المعارف فهي ميول نائمة وغامضة وغير محددة وليست نشطة وفعالة, فهذه الميول موجودة عند الانسان بالقوة .
والسؤال الان كيف يمكن تنشيط هذه الميول وتحويلها من مجرد رغبات موجودة بالقوة الى وجود بالفعل ؟, يجيب ليبنتز نستطيع ذلك أي تنشيط هذه الرغبة بالمعرفة وجعلها نشطة ومحددة وفعالة, من خلال التجارب والحواس, التجارب التي نتعرض لها في حياتنا من خلال الحواس الخمسة, فأننا نتعامل مع العالم الخارجي من خلال حواسنا .
وبالتالي هذه المدخلات الحسية كالصور والاصوات والروائح وغيرها من المدخلات الحسية هي من تحفز الرغبة والميول الغامضة الموجودة بداخلنا للمعرفة المحددة والنشطة والفعالة, أي تنقلها من حالة الوجود القوة التي هي أستعداد الى حالة الفعل أي الوجود الفعلي الواضح والمحدد والنشط .
وبالتالي تتكون معارفنا حسب رأي ليبنتز من أمرين هما, الامور الفطرية الغامضة والخاملة الموجودة في العقل عند ولادة الانسان, والتجارب التي توقض هذه الرغبة الخاملة والخامدة لتجعلها واضحة فعالة.
خالف ليبنتز رأي ديكارت الذي هو أن هناك معارف فطرية للأنسان عند ولادته, وتكتمل معارفه الاخرى ويزود الانسان بها بعد ولادته أثناء تجاربه المتنوعة في الحياة .
أما ليبنتز فأنه خالف ديكارت بأن جميع معارف الانسان وليس جزء منها هي معارف فطرية ولكنها خاملة غير محددة وواضحة وليست نشطة وفعاله, وبالتجارب تصبح واضحة ومحددة ونشطة وفعالة .
ووافق ليبنتز جون لوك بأن التجارب عن طريق الحواس لها الاثر كل الاثر في تكوين معارفه, وبهذا أتفق ليبنتز مع جون لوك في أثر التجربة المهم في أكتساب المعرفة للانسان, ولكن ماهو الفرق أو الاختلاف بين ليبنتز وجون لوك أذا كانا متفقان في أثر التجربة والحواس على أكتساب المعرفة ؟
صحيح أن ليبنتز أتفق مع جون لوك في أثر التجربة على أكتساب المعرفة عند الانسان, ولكن أختلف معه من جانب أخر, وهو أن جون لوك يرفض وجود معارف فطرية في العقل قبل التجربة, وأن التجربة بحسب جون لوك هي من يخلق كل المعارف في العقل .
وهذا مايرفضه الفيلسوف ليبنتز, حيث يقول ليبنتز أن هذه المعارف ليست مستحدثة ومخلوقة بواسطة التجارب, وأنما هذه المعارف فطرية وموجودة مع الانسان منذ ولادته, ولكن حفزتها التجارب وحولتها من وجود بالقوة الى وجود بالفعل .
الخاتمة : وهذا هو مبدأ ليبنتز في أراءه الفلسفية, حيث يعتمد التآليف والتوفيق بين الاراء الفلسفية المتناقضة مكونًا منها صورة جديدة, ويكون ليبنتز في نظرية المعرفة قد جمع بين الاراء المتناقضة للمذهب الحسي والعقلي في صورة تتقاطع فيما بينها بجزء وتختلف فيما بينها في أجزاء أخرئ .