الفرق بين الفلسفة والعلم
لكل علم منهج وموضوع. يُعرّف موضوع كل علم بأنه الشيء الذي يبحث فيه ذلك العلم عن العوارض المتعلقة به. أما مسائل العلم، فهي البحث في العوارض الطارئة على ذات موضوع العلم. على سبيل المثال، موضوع علم الطب هو جسم الإنسان، وبالتالي فإن مسائل علم الطب تتعلق بالعوارض الطارئة على البدن، مثل الأمراض. وينطبق نفس المبدأ على بقية العلوم، التي تتشارك في دراسة المواضيع المختلفة .
موضوع الفلسفة |
أما المنهج, فمصطلح المنهج في اللغة العربية يقابلهُ في اللغة الانكليزية لفظ "curriculum", ويعني هذا المصطلح مضمار الخيل أو ميدان السباق, أي أنه الطريق الذي له بداية ونهاية .
المنهج في اللغة العربية هو الطريق الواضح المستقيم، الذي يفضي بصحيح السير فيه إلى غايةٍ مقصودة، بسهولةٍ ويسر, ومن هذا الأصل جرى استعمال لفظ المنهج، لتعني بوجهٍ عام «وسيلة محددة توصل إلى غايةٍ معينة», نهجَ نهجًا تعني اتخذ منهاجًا أو طريقًا للوصول إلى غاية .
أي أن المنهج هو الطريق الذي يتخذه العلم, للبحث والكشف عن مسائل موضوعه, والذي يتوصل من خلاله الى المعرفة, وأستخدام المنهج ضروري, حيث يزودنا بالمعرفة الدقيقة, ويجنبا قدر الامكان المعرفة الخاطئة, بالأضافة لدوره في تنظيم المعلومة .
هذا بالنسبة للعلوم, أما في مجال الفلسفة, فما هو موضوعها, قلنا أن العلوم تتقاسم الموجوات فيما بينها كمواضيع للدراسة, وكل بحسب أختصاصه, ولكن السؤال, ما هو موضوع الفلسفة من هذه الموجوات .
هل هي كبقية العلوم, تتناول جانب معين أو مجال معين من هذا الوجود كموضوع للدراسة, والجواب هو : كلا , فالفلسفة تختلف عن العلم في الموضوع, العلم يتاول تفاصيل الوجود الجزئية, أما الفلسفة فموضوعها الوجود العام بشكل مطلق, لا مجال محدد موضوع جزئي من هذا الوجود .
دعني أقرب لك الصورة بمثال ولو كان بسيط, تخيل أن هذه الدائرة هي عبارة عن الوجود أو تمثل الوجود, داخل هذه الدائرة ستكون انت والناس الاخرين, بالاضافة الى الاشجار والبحار والجبال, بل والكرة الارضية, وليس هذا فقط المجرات والوجود بأكمله .
الوجود بين الفلسفة والعلم |
موضوع الفلسفة هو هذا الوجود الكل , والذي يحتويك أنت وكل ماهو موجود أخر, فموضوع الفلسفة هو هذا الوجود العام, لا الموجودات الجزئية بداخله, الوجود بشكل تجريدي لا الموجودات المادية .
وبما أن موضوع كل علم هي الاعراض الطارئة على الذات التي يتناولها العلم, فموضوع الفلسفة هي الاعراض الطارئة على هذا الوجود المطلق .
فهي تبحث عن أصل هذا الوجود, وماهيته, وما حقيقته, وهذا هو مايهم الفلسفة, الوجود وأعراضه بالمعنى المطلق, لا التفاصيل الجزئية لهذا الوجود, حيث تترك هذه التفاصيل للعلم بحقوله المختلفه وكل بحسب أختصاصه وموضوعه .
هذا بالنسبة الى مقارنة الفلسفة بالعلم من ناحية الموضوع, أما من ناحية المنهج, فالفلسفة هي نمط من أنماط التفكير, وبما أن التفكير نشاط ذهني, بالتالي هي نشاط ذهني أيضًا .
أي أن الفكر عبارة عن نشاط ذهني تجاه موضوع ما, فالفلسفة هي نشاط ذهني تجاه موضوعها, وأي موضوع , هو الوجود بمعناه المطلق والاعم .
وأذا كان العلم مقيد بالمنهج تجاه موضوعه, فالنشاط الذهني الفلسفي مقيد بالمنطق, والمنطق ليس منهجًا, بقدر ما هو الة تعصم مراعاتها الذهن من الوقوع في الخطأ, أي هو مجموعة قواعد تنظم عملية التفكير, فتجنب هذه القواعد عملية التفكير من الوقوع في الخطأ.
فالمنطق هو قواعد التفكير, وأما المناهج هي طرق البحث العلمي, والمنطق هي القواعد التي تعصم النشاط الذهني ككل وليس الفلسفة فقط من الوقوع في الخطأ, والمناهج هي الطرق التي تنظم البحث العلمي للحصول على المعرفة الصحيحة .
أذا أن الوجود بمعناه المطلق هو موضوع الفلسفة, والسؤال الان ماهي المسائل التي تبحثها الفلسفة في هذا الموضوع (الوجود), تبحث الفلسفة في أصل الوجود وماهي حقيقته, والمسائل الاخرى المرتبطة بمعناه المطلق كالعلل والاسباب الاولى للوجود, وكان للفلاسفة عبر التاريخ أراء مختلفة, حتى تعددت وأصبحت مذاهب لكل منها نظرياتها الخاصة بالوجود .
مثل ماتعرف أن الفلسفة بدأت في القرن السابع أو السادس قبل الميلاد عند الاغريق دون غيرهم, رغم أنه قد سبق الاغريق حضارات عريقه سابقة وبألاف السنين, إلا أن الفلسفة لم تبدأ إلا معهم .
وكان سبب بدء الفلسفة مع الاغريق دون غيرهم , سواء ممن سبقهم أو ممن لحقهم, هو تحقيق الاغريق للشرط الفلسفي, إلا وهو حكم النشاط الذهني بالعقلانية أو ما أطلق عليه فيما بعد بالمنطق .
فالقضايا الوجودية أو المسائل الوجودية رغم إنها قضايا وجدت مع الانسان العاقل منذ وجوده وبدء تأمله للكون ومحاولة تفسيره, إلا أن الاجابة على هذه الاسئلة تمت بأنماط مختلفة, والنمط الفلسفي أي النشاط الذهني المنطقي لم يظهر إلا مع الاغريق .
فالفلسفة أختراع أغريقي, ليس لأن الاغريق جاءوا بأسئلة وجودية مختلفة, بل لأنهم قدموا أجابات للاسئلة الوجودية, بنمط يختلف عن السياق السابق .
موضوع الفلسفة في دورها الاول
ويؤرخ المؤرخين بدء الفلسفة مع الفيلسوف الاغريقي طاليس, ثم تبعه مجموعة من الفلاسفة, والذين أطلق عليهم الفلاسفة الطبيعيين .
بألنسبة لموضوع الفلسفة, كان الفلاسفة الاوائل جل أهتمامهم منصبًا على البحث عن أصل الوجود, وقدموا أجابات متعددة للسؤال نفسه .
- فكان جواب طاليس أن الماء هو الاصل لكل الاشياء, وكان تعليل طاليس لهذا لأختيار الماء, هو أن الماء سبب الحياة لجميع الكائنات الحية .
ثم جاء بعد طاليس فلاسفة أخرين, ساروا على نفس أسلوبه, وهو إنهم في البحث عن مبدأ الموجوات, بحثتوا عن الاصل للوجود, أو رد الكثرة المتنوعة الى أصل تفرعت منه, لذلك يعتبر طاليس بحق صاحب تأثير كبير في الفلسفة, وبالاخص في دورها الاول من المرحلة القديمة .
- بينما يمثل الابيرون "اللامحدود"-المادة اللامحدودة هو الاصل عند أنكسيمندريس تلميذ طاليس, ومعنى الابيرون هو المادة ولكن متصفة بصفات لانهائية, وهي لا محدودة من ناحية الكيف والكم .
- وقد سادت هذه الطريقة في تفسير أصل الوجود مثل ماذكرنا أعلاه في المدرسة الايونية, طريقة رد الموجودات الى مبدأ واحد, حيث يذهب أنكسيمانس الى أن أصل الوجود هو الهواء .
وهكذا فالفلاسفة مابعد طاليس لم يأتوا بجديد من حيث قواعد التفكير, حيث جميعهم حددوا أصل واحد للاشياء مدعمين رأيهم بالدليل, وجميع هولاء الفلاسفة أختاروا أصل واحد ومادي للوجود, لذلك أطلق عليهم الواحديون الماديون .
- ثم جاء بعد ذلك هيراقليطس, حيث رفض الثبات في الحياة, وأمن بالتغير المستمر للأشياء, أذ أن الحياة تعتمد على التحولات والتغيرات .
ولكن ماهو هذا العنصر الاساسي الذي يمثل التغير, كان هذا العنصر هو النار, لا النار العادية هذه, بل النار الالهية, حيث تتطور هذه النار الى أشكال أخرئ, كالبحر والارض وغيرها من الموجودات.
أن الاشياء تتولد من النار, وترجع اليها في نهايتها لتبلغ نهايتها الضرورية, وفق دورة أو قانون لوغوس, وهذه الدورة أي الانطلاق ثم العودة الغاية منها التكفيرعن الخطايا .
- ثم جاء من بعد ذلك الفيثاغوريين أصحاب الرأي القائل "أن كل شي هو العدد", والعدد عند الفيثاغوريين هو جوهر الاشياء, وهو أساس كل شي .
- ثم جاء الايليين الين فهموا الوجود على أنه وحدة كاملة ثابته, الله والوجود عندهم متحدان في سكون تام, وأشهر الفلاسفة الايليين هم أكسنوفان وبرمنيدس, عندهم أن الله والوجود شي واحد .
- ثم جاء بعد ذلك ثلاث فلاسفة أخرين, مثلوا العودة الى العلم الطبيعي, هم أنبادوقليس وأنكساغوراس وديموقريطس, لاحظ أنبادوقلس أن مبادى الوجود كثيرة لا مبدأ واحد, فكان صاحب مبدأ الكثرة في تفسير الوجود, حيث رد الموجودات الى أصول أربعة, الماء والهواء والتراب والنار .
- أما بلنسبة لبقية الفلاسفة "فلاسفة الدور الاول من المرحلة القديمة", فلم يخرجوا من هذا النسق الفكري, سواء في موضوع الفلسفة" الوجود" أو طريقة معالجته, حيث بحثوا عن مبدء الوجود, وكان أجاباتهم متباينة نوعًا ما, إلا أن خطوتهم هذه, تمثل فارق مهم في تاريخ التفكير البشري .