فن توليد الفكرة عند سقراط

فن توليد الفكرة عند سقراط

لم أرفض فلسفتي الى أن الفظ النفس الاخير, هذه هاي كلمات سقراط قبل الحكم عليه بألاعدام, ما يعكس أصرار هذا الرجل على مبادئه ومعتقداته, وتمسكه بها حتى الممات, وهذا يعكس قوة شخصية هذا الرجل وعمق أيمانه, كتب عنه نيتشه قائلًا "هذا الاثيني القبيح الباعث على السخرية, الكريه صائد الفئران, الذي يجبر الشباب المتعجرفين على الارتجاف والبكاء, لم يكن فقط أحكم الناس المتكلمين, وإنما كان أروعهم في صمته أيضًا" .

الفيلسوف الاغريقي - سقراط

يالروعة هذا الرجل, الذي تفوح رائحة الحكمة من كلماته, وينبعث الجمال من صمته, كم كان نيتشه دقيقًا في أختياره لكلماته هذه عن سقراط, فهذا الرجل حكيم أن نطق, وجميل أن صمت ! ياللروعة .

بالفعل، إن سقراط كان شخصية فريدة تميزت بالحكمة العميقة والجمال الداخلي. كان يتمتع بقدرة على التعبير عن الأفكار بوضوح ودقة، كما كان يمتلك أيضًا قوة الصمت التي تعكس عمق تفكيره وفهمه للعالم. نيتشه كان محقًا في وصفه لسقراط، فهو كان يجسد توازنًا نادرًا بين الكلام الهادئ والفكر العميق، مما يجعله رمزًا حقيقيًا للحكمة والجمال .

كانت ولادة سقراط في أثينا عام عام 469 قبل الميلاد, ولد في عائلة كان الاب فيها نحاتًا والام قابلة, لم يترك سقراط أي كتابات, وكل مانعرفه عنه, هو الذي وصلنا من تلاميذه أفلاطون وزينوفون, وهذا ما يجعلنا نجهل أحداث حياته المبكرة, كان في سن السابعة عشرالتلميذ المفضل للفيلسوف والمؤرخ اليوناني القديم آرخيلوس .

أذا سبرنا أعماق المحاورات الفلسفية العقلانية التي كتبها أفلاطون تلميذ سقراط النشيط المقرب وساعده الايمن, خاصة فيدون , أقريطون واطفيرون, سنلاحظ بأن هذه المحاورات تجسد بعمق ودقة فلسفة سقراط الروحية التي أنطلقت من ذاته الخيرة المعطاة, بالتالي يعتبر أفلاطون مصدر مهم جدًا لفهم شخصية وفلسفة سقراط .

وأفلاطون أستعرض أفكار معلمهُ العقلانية في الدين والدولة والقانون وغيرها من المواضيع, مستعينًا بالرموز الغامضة والاشارات المبهمة, التي درج على نهجها حكماء ذلك العصر.

مما لاشك فيه أن المحاورات الافلاطونية كانت تنهد الى رسم صورة كاملة, تمثل شخصية سقراط تمثيلًا صادقًا, وتعرض أفكاره العرفانية بقالب من الحوار العقلاني, كما كان يفعل في حياته الفعلية بين تلاميذه, فهو كثير السؤال قليل الجواب, حاضر البديهة, لاذع السخرية, يحاور محدثة ويداوره, أخذ بزمامه الى غاية خلقية قصد اليها ورتب لها الحديث .

وكذلك تتسم بعض هذه المحاورات بأظهار جوانب أخرى من صور سقراط الفلسفية, ونزعته المثالية, وافكاره الروحية المثالية, حيث يظهره معلمًا لمواطنيه في الحوار الاول, الذي يحاول بكل ما أوتي من قوة الجدل, أن يوقظهم من سباتهم, وفي الحوار الثاني يقدم أفلاطون أستاذه سقراط, المرسل الذي كلفته الالهة بأيقاض الاثينيين من رقادهم وأستسلامهم للأفكار الموروثة التقليدية .

بينما يتناول أفلاطون أستاذه في محاورة أخرى "أقريطون" مركزًا فيها على جوانب حياتهِ وهو في السجن يرقب الموت, وفي جواره صديقه الحميم أقريطون, حيث يحرضه على الهروب من السجن .

وهكذا في كل محاورة من محاورات أفلاطون, نجد أفلاطون يتناول جانب من حياة وفلسفة أستاذه سقراط, بالتالي تمثل هذه المحاورات وعلى مر التاريخ, مصدر مهم وفريد عن الفيلسوف اليوناني القديم سقراط .

أسلوب فن توليد الفكرة عند سقراط

كان طموح سقراط أن يصل بمواطنيه للكمال الاخلاقي, حيث تحدث سقراط كثيرًا معهم حول هذا الموضوع في الشوارع والميادين, وناقش تحت ضل أشجارالزيتون أسئلة عن العدالة والفضيلة, إلا أن أنشغاله عن شؤون الحياة اليومية أوصله الى الفقر الشديد, حتى أنه كان يقطع مدينة أثينا حافي القدمين, مرتديًا لباسًا باليًا .

كان معاصروه مندهشين منه, فلو أجبر العبد على العيش مثله لهرب لا محال, أستغرق سقراط في التفكير لدرجة أنه بقي واقفًا طوال اليوم في نفس المكان, ورغم ذلك حين هددت مدينته خلال حرب بوليبونيسيس, حارب سقراط بشجاعة لحماية أثينا .

أعلنت عرافة ديلفي أن سقراط هو الاكثر حكمة بين شعبه, كانت طريقته بأن يتظاهر بأنه شخص بسيط التفكير, وبكل تواضع كان سقراط يسأل شعب أثينا عن معرفتهم بالخير والجمال والفضيلة, وبعدها يسألهم مجموعة من الاسئلة الدقيقة, وكان يدفع المحاور الى تفنيد ما يقوله .

بعدها يحاول سقراط مع خصمه المحتاريخرج الحكمة الكامنة في داخله, كما فعلت والدته القابلة بمساعدة المواليد على أن يولدوا, طريقته بالبحث عن الحقيقة, من خلال وضع أسئلة موجهة سماها سقراط "فن توليد الفكرة" .

أستنج سقراط بأنه الحكيم بين الناس, لأن الاستحواذ على القليل من الحكمة, مكنه من معرفة جهله, وكان يردد القول "أنني أعلم أنني لا أعرف شيئًا" .

حاول سقراط فهم وصياغة المعايير الاخلاقية التي يجب أن تكون متناسقة للجميع, حيث كان يقول أن هناك خير واحد إلا وهو المعرفة, وهناك شر واحد إلا وهو الجهل .

أصر سقراط على تعليم صبيان أثينا التعليم النظامي, الذي يجب أن يتدخل فيه الشعراء والفلاسفة وليس الاباء, فتذمر من ذلك أهل أثينا, وبدأ لهم أنهم سيفقدون السيطرة على أولادهم, وأن مكانتهم التي كانوا يحتلونها في قلوب الشباب, أحتلها الفيلسوف الماكر .

عندما أتى شاب ذات يوم لسقراط وسأله هل من الضروري أن أتزوج, أجاب سقراط تصرف كما يحلو لك, ستندم في الحالتين, حيث تزوج سقراط بعمر الاربعين سنة, من أمرأة بعمر التاسعة عشر, وكانت تختلف بمزاجها المشوش عنه, ومع ذلك تقبل سقراط حمق زوجته بهدوئه الفلسفي .

كان سقراط رجل عائلة سي ولم يهتم بأطفاله, وبعد هزيمة ثينا في حرب بيلوبونيسيس الطويلة, تم أنشاء حكومة سبارطة الطاغية في المدينة, وترأسها كريتياس الطالب السابق لسقراط .

وبالرغم من أنه لم يتعاون مع الطاغية, وبعد هزيمتهم عام 399 قبل الميلاد, قدم أهل أثينا الفيلسوف سقراط الى المحكمة بتهمة الخزي وإفساد أخلاق الشباب .

الفيلسوف ذو السبعين عامًا أثبت بالمنطق أمام المحكمة أنه يجب أن لا يحاكم, بل يجب أن يكرم لأحسانه للمجتمع ولكونه المعلم الروحي للافراد .

غضب القضاة كثيرًا و أدانوه وتم الحكم عليه بألاعدام, أثناء أنتضاره لتنفيذ حكم الاعدام أمضئ سقراط شهرًا كاملًا في السجن متحدثًا لأصدقاءه عن سوء حظ الروح المخلدة .

وقبل تنفيذ الحكم قام أحد أصدقاءه برشوة السجان, وأقترح على الفيلسوف سقراط بالهرب من السجن الى خارج أثينا, لكن سقراط رغم ذلك رفض, وأعتبر أن طاعة القانون واجبة حتى وأن كان أتهامه غير منصف .

بعد ذلك شرب سقراط من كأس الشكران المسمومة وهو الشراب الذي كان يستخدم لأعدام المجرمين والسياسيين المعارضين, وحتى القطرة الاخيرة, ضل هادئً وساكنًا, وعندما بدأ أصدقاءه في البكاء وبخهم, وكانت كلماته الاخيرة ياكريتو أننا ندين بديك لاسكيليبس, حيث في ذلك الوقت, كانت العادة أذ تعافى شخص ما من المرض, فأنه يضحي بديك لاله الطب "سكيليبس", وبهذا يفهم حديث سقراط, على أن موت جسده كان بمثابة الشفاء لروحه .

وفي أيامنا هذه, حاول بعض مؤرخي الفلسفة القديمة, أثبات أن سقراط كان شخصية أدبية, تم أختراعها من قبل أفلاطون, لأكساب أراءه القوة, ورغم ذلك فأن سقراط الطائش مؤسس فلسفة جديدة ومعلم للكثير من الفلاسفة العظام .

المصدر : 

• وثائقي / سقراط الفيلسوف-سيرة غريبة / قناة الجزيرة 
• سقراط / الدكتور مصطفى غالب